قوله :﴿ فَوَقَعَ الحَقُّ « قال مُجاهدٌ والحسنُ : ظَهَرَ.
وقال الفرَّاءُ :» فتبيَّنَ الحَقُّ مِنَ السِّحْرِ «.
قال أهْلُ المعاني : الوُقُوعُ : ظُهُورُ الشَّيءِ بوجوده نازلاً إلى مُسْتَقرَّهِ، { وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾، من السِّحْرِ، وذلك أنَّ السَّحرة قالوا : لئن كان ما صنعَ موسى - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - سِحراً لَبَقِيَتْ حبالُنا وعصينا ولم تُفْقَدْ، فلما فقدت؛ ثَبَتَ أنَّ ذلك من أمر الله.
قال القَاضِي : قوله :» فَوَقَعَ الحَقُّ « : يفيد قُوَّة الظُّهُورِ والثُّبُوتِ بحيثُ لا يَصحُّ فيه البُطلان كما لا يَصِحُّ في الواقعِ أن يصيرَ إلاَّ واقعاً.
فصل
قلت : فإن قيل : قوله :» فوقع الحَقُّ « يدُلُّ على قوَّةِ الظَّهُورِ.
فكان قوله :﴿ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ تكريراً.
فالجوابُ : أنَّ المرادَ : مع ثبوت الحقِّ زالت الأعيانُ الَّتي أفكوها، وهي الحِبَالُ والعصا، فعند ذلك ظهرت الغلبةُ.
فصل
قوله :» فَغَلِبُوا هُنالِكَ « يجوزُ أن يكون مكاناً، أي : غُلِبُوا في المكانِ الذي وقع فيه سحرهم، وهذا هو الظَّاهِرُ.
وقيل : يجوزُ أن يكون زماناً، وهذا ليس أصْلُهُ، وقد أثبت لَهُ بعضهم هذا المعنى بقوله تعالى :﴿ هُنَالِكَ ابتلي المؤمنون ﴾ [ الأحزاب : ١١ ].
ويقول الآخر :[ الكامل ]
ولا حُجَّةَ فيهما، لأنَّ المكانَ فيهما واضحٌ.٢٥٤٤ -............................... فَهُنَاكَ يَعْترفُونَ أيْنَ المَفْزَعُ؟
قوله :» وانقلبُوا صاغرينَ « أي : ذليلين مقهورين. وصاغرين حالٌ من فاعل انقلبُوا والضميرُ في انقلبُوا يجوزُ أن يعودَ على قوم فرعون وعلى السَّحرةِ، إذا جعلنا الانقلابِ قبل إيمان السحرةِ، أو جعلنا انقلبُوا بمعنى : صاروا، كما فسَّره الزمخشريُّ، أي : صاروا أذلاَّءَ مبهوتين مُتَحَيِّرين.
ويجوز أن يعودَ عليهم دُونَ السَّحرةِ إذا كان ذلك بعد إيمانهم، ولم يجعلْ انْقلبُوا بمعنى : صاروا : لأنَّ اللا لا يَصِفُهُم بالصَّغَارِ بعد إيمانهم.
قوله :﴿ وَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ ﴾.
قال مقاتل :» ألْقاهُمُ اللَّهُ «. وقيل : ألهمهم اللَّهُ أنْ يسجدُوا فَسَجَدُوا.
قال الأخفشُ : من سرعة ما سَجدُوا كأنَّهم ألقوا.
ف » ساجدين « حال من السَّحرة، وكذلك قالوا أي ألقوا ساجدين قائلين ذلك، ويجوزُ أن يكُون حالاً من الضَّمير المستتر في ساجدينَ.
وعلى كلا القولين هُمْ متلبِّسُون بالسُّجُودِ للَّهِ تعالى.
ويجوزُ أن يكون مستأنفاً لا محلَّ له، وجعله أبُو البقاءِ حالاً من فاعل » انْقَلَبُوا «، فإنَّهُ قال :» يجوزُ أن يكُون حالاً، أي : فانْقَلَبُوا صاغرين «.
قالوا وهذا ليس بجيِّد للفصل بقوله » وَألقى السَّحرةُ «.
قوله :﴿ قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين ﴾.
قال المفسِّرونَ : لما قالوا :﴿ قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين ﴾ قال فِرعونُ : إيّايَ تعنُون؛ فقالوا :﴿ رَبِّ موسى وَهَارُونَ ﴾، ف :» ربِّ مُوسَى « يجوز أن يكون نعتاً ل :» ربِّ العالمينَ «، وأن يكون بدلاً، وأنْ يكون عطف بيان.
وفائدُ ذلك : نَفْيُ تَوَهُّم من يتوهَّمُ أنَّ رب العالمينَ قد يطلق على غير اللَّه تعالى، لقول فرعونَ