لما قال موسى لقومه :﴿ عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ﴾ [ الأعراف : ٢٩ ] بدأ بذكر ما أنزل بفرعون وقومه من المِحَنِ حالاً بعد حال، إلى أن وصل الأمرُ إلى الهلاكِ تنبيهاً للمكلَّفين على الزَّجْرِ عن الكفر.
« والسِّنينَ » : جمعُ سنة، وفيها لغتان أشهرهما : إجْرَاؤُهُ مُجرَى المُذكر السَّالم فيُرفع بالواو ويُنْصَبُ ويُجَرُّ بالياء، وتُحْذَفُ نُونُه للإضافة.
قال النُّحَاةُ : إنَّمَا جرى ذلك المجرى جَبْراً لما فاته من لامة المحذوفةِ، وسيأتي في لامه كلامٌ، واللغة الثانيةُ : أن يُجْعَلَ الإعرابُ على النُّون ولكن مع الياء خاصَّةً. نقل هذه اللُّغة أبُو زيد والفراءُ. ثم لك فيها لغتان : إحدهما : ثبوتُ تنوينها. والثانية : عدمهُ.
قال الفرَّاءُ : هي في هذه اللُّغة مصروفة عند بني عامر، وغير مصروفة عند بني تميم، ووجه حذف التنوين التَّخفيف، وحينئذ لا تُحْذَفُ النُّون للإضافة وعلى ذلك جاء قوله :[ الطويل ]

٢٥٤٧ - دَعَانِيَ مِنْ نَجْدٍ فإنَّ سِنِينَهُ لَعْبِنَ بِنَا شيباً وشَيِّبْنَنَا مُرْدَا
وجاء في الحديث :« اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عليهم سنينَ كَسِنِي يُوسُفَ » « وسِنيناً كسِنِينِ يُوسفُ » باللُّغتين، وفي لام سَنَةٍ لغتان، أحدهما : أنَّهَا واو لقولهم : سنوات وسَانَيْتُ، وسُنَيَّةٌ. الثانية : أنَّها هاء لقولهم : سانَهْتُ وسَنَهَات وسُنَيْهَة، وليس هذا الحكمُ المذكور أعني : جريانه مجرى جمع المذكر أو إعرابه بالحركات مقتصراً على لفظ « سِنينَ » بل هو جارٍ في كلِّ اسم ثلاثي مؤنث حُذِفَتْ لامُهُ، وعُوِّضَ منها تَاءُ التَّأنيثِ، ولم يُجْمَع جمع تكسير نحو : ثُبَةٍ وثُبين، وقُلة، وقُلينَ.

فصل


قال شهابُ الدِّين :« وتَحرَّزْتُ بقولي : حُذِفَتْ لامُه مِمَّا حُذِفَتْ فاؤه، نحو : لِدة وعِدَة.
وبقولي ولم يُجْمع جمع تكسير من ظُبَةٍ وظُبّى، وقد شَذَّ قولهم : لِدُونَ في المحذوف الفاء، وظِبُونَ في المكسَّر.
٢٥٤٨ - يَرَى الرَّاءُونَ بالشَّفرَاتِ مِنْهَا وقُودَ أبِي حُبَاحِبَ والظُّبِينَا
واعلم أنَّ هذا النَّوَع إذَا جَرَى مَجْرَى الزيدينَ فإنْ كان مكسورَ الفاء سَلِمَتْ، ولم تُغَيَّر نحو : مائة ومئين، وفئة وفئين، وإنْ كان مفتوحها كُسِرَتْ نحو : سنين، وقد نُقِلَ فَتْحُها وهو قليلٌ جدّاً، وإن كان مضمومَهَا جاز في جمعها الوجهان : أعني السَّلامة، والكسر نحو : ثُبين وقُلين.
قال أبُو عَلِي : السَّنة على معنيين : أحدهما : يراد بها العام. والثاني : يراد بها الجدْب.
وقد غلبت السَّنَةُ على زمانِ الجدْبِ، والعام على زمان الخصب حتى صَارَا كالعلم بالغلبة ولذلك أشتقُّوا من لفظ السَّنَةِ فقالوا : أسْنَتَ القَوْمُ.
قال :[ الكامل ]
٢٥٤٩ - عَمْرُوا الذي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ ورِجَالُ مَكَّةَ مُسْنتُونَ عِجَافُ
وقال حاتم الطائِيُّ :[ الطويل ]
٢٥٥٠ - فإنَّا نُهِينُ المَالَ مِنْ غَيْرِ ضِنَّةٍ وَلاَ يَشْتَكِينَا في السِّنينَ ضَرِيرُهَا
ويُؤيِّدُ ذلك في سورة يوسف [ الآية ٤٧ ] :»
﴿ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً ﴾ ثم قال :﴿ سَبْعٌ شِدَادٌ ﴾ [ يوسف : ٤٨ ] فهذا في الجدب.
وقال :﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلك عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ الناس ﴾


الصفحة التالية
Icon