قال شهابُ الدِّين : هو معذورٌ في كونها بمعنى الوقت، فإن ذلك قولٌ ضعيفٌ، لم يَقُلْ به إلاَّ الطَّائفة الشَّاذَّةُ.
وقد قال جمال الدِّين بْنُ مالكٍ : جميع النَّحويين يقول إنَّ « مَهْمَا » و « مَا » مثل « مَنْ » في لزوم التَّجرُّدِ عن الظَّرف، مع أنَّ استعمالها ظرفين ثابتٌ في أشعار فصحاء العرب. وأنشد بعض الأبْياتِ المتقدمة
وكفى بقوله جميع النَّحويين دليلاً على ضَعْف القول بظرفيتهما. وهي اسمٌ لا حرفٌ، بدليل عَوْد الضَّمير عليها، ولا يعودُ الضَّمير على حرف؛ لقوله :﴿ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ ﴾ فالهاءُ في « بِهِ » تعود على « مَهْمَا » وشَذَّ السُّهيليُّ فزعم أنَّهم قد تأتي حرفاً.
واختلف النَّحويون في « مَهْمَا » هل هي بسيطة أو مركبة؟ والقَائِلُونَ بتركيبها اختلفوا : فمنهم مَنْ قال : هي مركبة مِنْ « مَا مَا » كُرِّرَتْ « ما » الشَّرطيَّة توكيداً، فاستثقل توالي لفظين فأبْدِلَت ألف « ما » الأولى هاء.
وقيل : زيدت « ما » على « ما » الشَّرطية، كما يُزَادُ على « إنْ » « ما » في قوله :« فَإمَّا يَأتينَّكُم ».
فَعُمِلَ العمل المذكور للثقل الحاصل، وهذا قولُ الخليل وأتباعه من أهل البصرة.
وقال قَوْمٌ : هي مركبة من مَهْ التي هي اسم فعلٍ بمعنى الزَّجْر، و « مَا » الشَّرطيَّة ثم رُكِّبت الكلمتان فصارا شَيْئاً واحداً.
وقال بعضهم : لا تركيب فيها هنا، بل كأنَّهُم قالوا له مَهْ، ثم قالوا ﴿ مَا تَأْتِنَا بِهِ ﴾ ويُعْزَى هذان الاحتمالان للكسائيِّ.
قال شهابُ الدِّين :« وهذا ليس بشيءٍ؛ لأنَّ ذلك قد يأتي في موضع لا زَجْرَ فيه، ولأنَّ كتابتها متصلة ينفي كون كلٍّ منهما كلمةً مستقلة ».
وقال قومٌ : إنَّهَا مركَّبةً من « مَهْ » بمعنى اكفف و « مَن الشَّرطيَّةِ » ؛ بدليل قول الشاعر :[ الطويل ]

٢٥٥٨ - أماوِيَّ مَهْمَنْ يَسْتَمِعْ في صديقِهِ أقَاوِيلَ هذا النَّاسِ مَاوِيَّ يَنْدَمِ
فأبْدِلَتْ نونُ « مَنْ » ألفاً كما تبدل النُّونُ الخفيفة بعد فتحة، والتَّنوين ألفاً، وهذا ليس بشيء بل « مَهْ » على بابها من كونها بمعنى : اكْفُفْ، ثم قال : مَنْ يستمعُ.
وقال قوم : بل هي مركَّبة مِنْ « مَنْ » و « مَا » فأبدلت نونُ « مَنْ » هاءً، كما أبدلوا من ألف « ما » الأولى هاءً، وذلك لمؤاخاة مَنْ ما في أشياء، وإن افترقَا في شيء واحد، ذكره مكيٌّ.
ومَحَلُّهَا نصبٌ أو رفعٌ، فالرَّفعُ على الابتداء وما بعده الخبر، وفيه الخلافُ المشهورُ هل الخبرُ فعلُ الشَّرْط أو فعلُ الجزاء أو هما معاً؟ والنَّصْبُ من وجهين :
أظهرهما : على الاشتغال ويُقَدَّرُ الفعلُ متأخراً عن اسم الشَّرْطِ، والتقديرُ : مَهْمَا تُخْضِر تَأتِنَا، ف « تَأتِنَا » مُفَسِّرة ل تُحَضر، لأنَّهُ من معناه.


الصفحة التالية
Icon