الثاني : أنَّ اسمَ « كان » ضميرٌ عائدٌ على « مَا » الموصولة، ويَصْنَعُ مسندٌ ل « فِرْعَوْن » والجُملةُ خبر « كان » والعائدُ محذوف أيضاً، والتَّقديرُك ودمَّرْنَا الذي كان هو يصنعه فرعون.
الثالث : أن تكون « كان » زائدةً و « مَا » مصدرية والتقديرُ : ودمَّرْنَا ما يصنع فرعون. أي : صُنْعَهُ، ذكره أبُو البقاءِ.
قال شهابُ الدِّين : وينبغي أن يجيءَ هذا الوجهُ أيضاً، وإن كانت « مَا » موصولة اسمية، على أنَّ العائدَ محذوفٌ تقديرُهُ : ودَمَّرْنَا الذي يصنعه فرعون.
الرابع : أن « ما » مصدرية أيضاً و « كان » لَيْسَتْ زائدةً بن ناقصة، واسمُهَا ضميرُ الأمر والشَّأن، والجملةُ من قوله يَصْنعُ فرعَونُ خبرُ « كان » فهي مفسِّرة لضمير.
وقال أبُو البقاءِ هنا : وقيل : ليست « كان » زائدةً، ولكن « كان النَّاقِصَة لا يُفْصَل بها بين » ما « وبين صلتها، وقد تقدَّم ذلك في قوله :﴿ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [ البقرة : ١٠ ] وعلى هذا القول تحتاج » كان « إلى اسم.
ويضعُف أن يكون اسمُها ضمير الشَّأنِ؛ لأَّ الجُلة التي بعدها صلةُ » ما « فلا تَصْلُح للتَّفسير، فلا يحصُل بها الإيضاحُ، وتمامُ الاسم، والمفسِّر يجبُ أن يكون مستقلاً، فتدعو الحَاجَةُ إلى أن يجعل » فرعون « اسم » كان « وفي :» يَصْنَعُ « ضمير يعود عليه.
قال شهابُ الدِّين بعد فرض كونها ناقصةً : يلزم أن تكون الجملة من قوله : يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ خبراً ل » كان « ويمتنع أن تكون صلةً ل » ما «.
وقوله : فتدعُوا الحاجةُ أي : ذلك الوجُه الذي بدأت به، واستضعفه، وهو الذي احتاج إليه في هذا المكان فراراً من جعل الاسم ضمير الشَّأن، لمَّا تخيَّلهُ مانعاً، والتَّدميرُ : الإهلاكُ.
قال الليث : الدَّمَارُ : الهَلاك التَّامن يقال : دَمَرَ القومُ يَدمُرُونَ دماراً : أي : هلكوا وهو مُتَعَدٍّ بنفسه، فأمَّا قوله :﴿ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ ﴾ [ محمد : ١٠ ] بمفعولُه محذوفٌ، أي : خَرَّب عليهم منازلهم وبُيُوتَهم.
وقوله :﴿ مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ ﴾ أي : في أرض مصر من العمارات.
قوله :» يَعْرِشُونَ « قرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم هنا وفي النَّحل ﴿ يَعرُشُونَ ﴾ بضم الرَّاءِ.
والباقون بالكسر فيهما، وهما لغتانِ :» عَرَشَ الكرمَ يَعْرِشُهُ ويَعْرُشُهُ. والكَسْرُ لغة الحِجَازِ.
قال اليَزِيديُّ : وهي أفصحُ.
وقال مُجاهدٌ : ما كانُوا يبنون من القصور والبيوت. وقُرئ شاذّاً بالغين المعجمةِ والسِّين المهملة، من غَرْس الأشجَار. وقال الزمخشري وبلغني أنه قرأ بعض الناس يعرشون من عرش وما أظُنّه إلاّ تصحيفاً. وقرأ ابن أبي عبْلَةَ يُعَرِّشُونَ بضمِّ الياء وفتحِ العين، وكسرِ الرَّاءِ مشدَّدَةً على المُبالغة والتَّكثير. وهذا آخر قصةِ فرعونَ.