وهذا على رأيه من أنَّ الرُّؤية محالٌ مطلقاً في الدُّنيا، والآخرة.
قوله :﴿ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ﴾ : عَلَّقَ الرُّؤية على استقرار الجبل، واسترقار الجبل على التَّجلي غير مستحيل إذا جعل الله له تلك القوة، والمعلق بما لا يستحيل لا يكون محالاً.
قوله ﴿ فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ﴾ : قال الزَّجَّاجُ :« تَجَلَّى » أي :« ظهر وبان ».
ومنه يقالُ : جلوتُ العروس إذا أبْرَزْتهَا، وجلوتُ السَّيف والمرآة : إذا أزلت ما عليهما من الصَّدَأ. وهذا البجل أعظم جبل بمدين يقال له : زبير.
قال ابن عباس : ظهر نُور ربِّهِ للجبل.
قوله :« جَعَلهُ دَكّاً » قرأ الأخوان « دَكَّاءَ » بالمدِّ، غير منوَّن، على وزن « حمراء » والباقون بالقصر والتَّنوين، فقراءةُ الأخوين تحتمل وجهين :
أحدهما : أنَّها مأخوذةٌ من قولهم :« ناقةٌ دَكَّاء » أي : منبسطة السَّنَام، غير مرتفعة، والمعنى جعله مستوياً. وإما من قولهم : أرض دكاء للناشزة روي أنَّهُ لم يذهب كله، بل ذهب أعلاه.
وأمَّا قراءةُ الجماعة ف « الدَّكُّ » مصدر واقع موقع المفعول به بمعنى المدكوك، أي : مَدْكوكاً، أو من دكَّ، أو على حذف مضاف أي ذا دَكّ، والمعنى : جلعه مدقوقاً والدَّك والدَّقّ واحد، وهو تفتيت الشيء وَسَحْقُهُ.
وقيل : تسويته بالأرض.
في انتصابه على القراءتين وجهان، أشهرهما : أنَّهُ مفعولٌ ثان ل « جَعَلَ » بمعنى : صَيَّرَ.
والثاني - وهو رأي الأخفش - : أنَّهُ مصدرٌ على المعنى، إذ التقدير : دَكَّهُ دَكّاً، وأما على القراءة الأولى فهو مفعول فقط أي صيره مثل ناقة دكاء أو الأرض دكاً.
وقرأ ابنُ وثَّاب دُكّاً بضم الدَّالِ والقصر، وهو جمع دَكَّاء بالمد، ك : حُمْر في حمراء، وغُرّ في غَرَّاء أي : جعله قِطَعاً.
قال الكلبي : كسراً جبالاً صغاراً. ووقع في بعض التَّفاسير أنَّه تكسر سِتَّة أجْبُلِ، ووقعت ثلاثة بالمدينة : أحد، وودقان، ورضوى، ووقعت ثلاثة بمكة : ثور، وثبير، وحِرَاء.
قوله :﴿ وَخَرَّ موسى صَعِقاً ﴾. الخُرورُ : السُّقُوطُ كذا أطلعه أبو حيَّان وقيَّدَهُ الرَّاغب بسقوطٍ يُسمع له خريرٌ، والخريرُ يقال لصوت الماءِ والريحِ.
ويقال كذلك لما يَسْقُطُ من علوٍّ وصَعِقاً حالٌ مقارنةٌ.
قال اللَّيْثُ : الصَّعْقُ مثل الغَشْي يأخذُ الإنسانَ والصَّعْقَةُ الغشي.
يقال : صُعِقَ الرَّجُلُ يُصْعَقُ، فهو مصعوق.
قال ابنُ عبَّاس : مَغْشياً عليه.
وقال قتادةُ : ميتاً.
يقال : صَعِقَ إذا مات ﴿ فَصَعِقَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض ﴾ [ الزمر : ٦٨ ] فسَّرُوه بالموتِ.
وقال :﴿ يَوْمَهُمُ الذي فِيهِ يُصْعَقُونَ ﴾ [ الطور : ٤٥ ] أي : يموتون.
قال الزمخشريُّ :« صعق أصله من الصَّاعقة ».
قال الزمخشريُّ :« صعق أصله من الصَّاعقة ».
والقولُ الأوَّلُ أولى؛ لقوله تعالى ﴿ فَلَمَّآ أَفَاقَ ﴾.
قال الزَّجَّاجُ :« ولا يقال للميتِ : قد أفاق من موته، وقال تعالى في الذين ماتوا ثم أحيوا :


الصفحة التالية
Icon