ورابعها : أن هذه اللَّفظة كناية عن شِدَّةِ حالهم، وأنهم بلغوا في البلاء الشديد إلى حيث يتولَّى بنفسه إزْهَاقَ ورحه.
خامسها : أنه ليس بأمر، بل هو وعيدٌ [ وتقريع ] كقول القائل : امضِ الآن لترى ما يحلُّ بك.
قوله :« اليوم تُجْزَوْنَ » في هذا الظرف وجهان :
أظهرهما : انه مَنْصُوبٌ ب « أخرجوا » بمعنى : أخروجوها من أبدانكم، فهذا القول في الدنيا، ويجوز أن يكون في يوم القيامةِ، والمعنى خَلَّصُوا أنفسكمن من العذابِ، كما تقدَّم، فالوقف على قوله :« اليوم »، والابتداء بقوله :« تُجْزَونَ عذابَ الهُونِ ».
والثاني : أنه منصوب ب « تجزون » والوقف حينئذ على « أنفسكم »، والابتداء بقوله :« اليوم » والمراد ب « اليوم » يحتمل أن يكون وقتَ الاحتضار، وأن يكون يوم القيامة، و « عذاب » معفول ثانٍ، والأول قام مقام الفاعل.
والهُون : الهَوَان؛ قال تعالى :﴿ أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ ﴾ [ النحل : ٥٩ ].
وقال ذو الأصبع :[ البسيط ]
٢٢٣٧- إذْهَبْ إلَيْكَ فَمَا أمِّي بِرَاعِيَةٍ | تَرْعَى المخَاضَ ولا أغْضِي على الهُونِ |
٢٢٣٨- يُهِينُ النُّفُوسَ وهُونُ النُّفُو | سِ يَوْمَ الكَرِيهَةِ أبْقَى لَهَا |
و « الهَوْن » بفتح الهاء : الرِّفْقُ والدَّعة؛ قال تبارك وتعالى :﴿ وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً ﴾ [ الفرقان : ٦٣ ].
واعلم أنه - تبارك وتعالى - جمع هناك بين الإيلامِ والإهانَةِ، فكما أن الثواب شَرْطُهُ أن يكون منْفَعَةً معروفة بالتعظيم، فكذا العقاب شرطه أن يكون مَضَرَّةً مقرونة بالإهانِةِ.
قوله :« بِمَا كُنْتُمْ » « ما » مصدرية، أي : بكونكم قائلين غير الحقَّ، وكونكم مستكبرين و « الباء » متعلقة ب « تجزون » أي : بسببه، و « غير الحق » نصبه من وجهين :
أحدهما : أنه مفعول به، أي تذكرون غير الحق.
والثاني : أنه نَعْتُ مَصْدَرٍ محذوف، أي : تقولون القول غير الحق.
وقوله :« وكنتم » يجوز فيه وجهان :
أظهرهما : أنه عطف على « كنتم » الأولى، فتكون صَلَةً كما تقدم.
والثاني : أنها جملة مُسْتَأنَفَة سيقت للإخبار بذلك و « عن آياته » متعلّق بخبر « كان »، وقدم لأجل الفواصل، والمراد بقوله :« كنتم عن آياته تَسْتَكِبرُونَ » أي : تَتَعَظَّمُونَ عن الإيمان بالقرآن لا تُصَدِّقُونَهُ.
وذكر الواحدي أي : لا تُصَلُّونَ له، قال ﷺ :« مَنْ سَجَدَ [ لِلَّهِ سَجْدَةً ] بيِنَّةٍ صَادِقَةٍ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الكِبْرِ ».