والثاني : أنه يكون مَعْطُوفاً على « يُخْرِجُ »، وهل يَجْعَل الفعل في تأويل اسْم [ ليصِحَّ عطف الاسْمِ عليه، أو يجعل الاسمُ بتأويل الفِعْلِ؛ ليصِحَّ عَطْفُه عَليْه؟ احتمالاًن مَبْنِيَّان على ما تقدَّمَ في « يُخْرِجُ ».
إن قلنا : إنه مُسْتأنفٌ فهو فِعْلٌ غير مُؤوَّل باسم؛ فَيُرَدُّ الاسم إلى مَعْنَى الفِعْل، فكأن « مُخْرِج » في قُوَّة « يُخْرج ».
وإن قُلْنَا : إنه خبر ثان ل « إنَّ » وهو بِتَأوِيل اسْم ] واقع موقع خَبَر ثانٍ؛ فلذلك عُطِفَ عليه اسمٌ صريحٌ، ومن عَطْف الاسْمِ على الفِعْلِ لِكَوْن الفِعْلِ بتأويل اسم قَوْلُ الشَّاعِرِ في ذلك :[ الطويل ]
٢٢٥٥- فَألْفَيْتُهُ يَوْماً يُبِيرُ عَدُوَّهُ | وَمُجْرٍ عَطَاءً يِسْتَخِفُّ المَعَابِرَا |
٢٢٥٦- يَار رُبَّ بَيْضَاءَ مِنَ العَوَاهِجِ | أمِّ صِبِيَّ قَدْ حَبَا أوْ دَارِجِ |
٢٢٥٧- بَاتَ يُغَشِّيها بَعَضْبٍ بَاتِر | يَقْصِدُ فِي أسْوُقِهَا وَجَائِر |
قوله :« الحَيّ » اسمٌ لما يكون موصوفاً بالحياة، و « المَيِّتُ » اسمٌ للخَالِي عن صفة الحياة، وعلى هذا فالنَّبَاتُ لا يكُون حياً، وفي تَفْسِير هذا الحيِّ والميت قولان :
الأول : حَمْلُ هذا اللَّفظِ على الحقيقة.
قال ابن عبَّاس : أخْرَجَ من النُّطْفَةِ بَشَراً أحْيَاءَ، ثم يُخْرِجُ من البَشَرِ الحيِّ نُطْفَةً مَيِّتَةً، ويُخْرِج من البَيْضَةِ فَرُّوجَةً، ثم يَخْرِج من الدِّجاجَةِ بَيْضَةً مَيَّتةً.
القول الثاني : يُحْمَل على المَجازِ « يخرج » النَّبَات الخَفِيّ من الحَبِّ اليَابِس، ويُخْرِج الحبَّ اليَابِس من النَّبَاتِ الحَي النَّامِي.
وقال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما- : يخرج المُؤمِنَ من الكَافِرِ، كما في حقِّ إبراهيمَ - ﷺ - والكافر من المُؤمن، كما في حقِّ ولد نُوح- ﷺ - والعاصي من المُطِيع وبالعكس.
وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عصام :« الميّت » مُشدَّدَة الياء في الكَلِمَتَيْن، والباقُون بالتخفيف فيهما.
قوله :﴿ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ﴾ قيلك معناه : ذلكم اللَّه، المُبْدِئُ، الخَالِقَن النَّافِعُ، الضَّار، المحيي، المُمِيت، « فانَّى تُؤفَكُونَ » : تُصْرَفُونَ عن الحقِّ في إثْبَات القَوْل بِعِبَادَةِ الأصْنَامِ.
وقيل : المُرَاد : أنكم لمَّا شَاهَدْتُمْ أنَّه- تبارك وتعالى - يُخْرِج الحيَّ من الميَّت، ثم شَاهَدتم أنَّه أخْرَجَ البَدَنَ الحيَّ من النُّطْفِةِ المَيِّتَة، فَكيْفَ تَسْتَبْعِدُون أن يُخْرِجَ البَدَن الحيَّ من التُّرَاب الرَّمِيمِ مَرَّة أخرى، والمقْصُودك الإنْكَار على تَكْذِيبهم بالحَشْرِ والنَّشْرِ، وأيضاً الضَّدَّانِ متساويان في النَّسْبَةِ، فكما لا يمتنع الانقلابُ من أحد الضدين إلى الآخر، وجبَ ألاَّ يمتنع الانقلابُ من الثاني إلى الأوَّل، فكما لا يمتنع حُصُولُ المَوْتِ بعد الحياة، وجب أيضاً حُصُولُ الحياة بعد الموت، وعلى كِلاَ التَّقْديريْنِ، فيخرج منه جواز البَعْثِ والنَّشْرِ.