قوله :« وخَلَقَهُمْ ».
الجمهور على « خَلَقَهُمْ » بفتح اللام فعلاً ماضياً، وفي هذه الجملة احتمالان :
أحدهما : أنه حالية ف « قد » مضمرة عند قوم، وغيرم ضمرة عند آخرين.
والثاني : أنها مُسْتَانَفَةٌ لا محلَّ لها، والضمير في « خلقهم » فيه وجهان :
أحدهما : أنه يعود على الجاعلين، أي : جعلوا له شركاء مع أنه خلقهم وأوجدهم منفرداً بذلك من غيرم شاركة له في خَلْقِهِم، فكيف يشركون به غيره ممن لا تَأثيرَ له من خلقهم؟
والثاني : أنه يعود على الجنِّ، أي : والحال أنه خلق الشركاء، فكيف يجعلون مخلوقه شريكاً له؟
وقرأ يحيى بن يعمر :« وخَلْقهم » بسكون اللام.
قال أبو حيان - رحمه الله - :« وكذا في مصحف عبد الله ».
قال شهاب الدين : قوله :« وكذا في مصحف عبد الله » فيه نظرٌ من حيث إن الشَّكْلَ الاصطلاحي أعني ما يدل على الحَركَاتِ الثلاث، وما يَدُلُّ على السكون كالجزء منه كانت حيث مصاحب السلف منها مجردة، والضبط الموجودة بين أيدينا اليوم أمر حادث، يقال : إن أوَّل من أحدثه يحيى بن يَعْمُر، فكيف يُنْسَبُ ذلك لِمُصْحَفِ عبد الله بن مسعود؟
وفي هذه القراءة تأويلان :
أحدهما : أن يكون « خَلْقهم » مصدراً بمعنى اختلاقهم.
قال الزمخشري : أي اختلاقهم للإفْكِ، يعني : وجعلوا لله خَلْقَهم حيث نسبوا قبائحهم إلى الله في قولهم :« واللَّهُ أمَرَنَا بِهَا » انتهى.
فيكون « لله » هو المفعول الثاني قُدِّمَ على الأول.
والتأويل الثاني : أن يكون « خَلْقهم » مَصْدراً بمعنى مخلوقهم، فيكون عَطْفاً على « الجنّ » ومعفوله الثاني محذوف، تقديره : وجعلوا مخلوقهم وهو ما يَنْحِتُونض من الأصنام كقوله تعالى :﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ﴾ [ الصافات : ٥٩ ] شركاء لله تعالى.
قوله تعالى :« وخَرَقُوا » قرأ الجمهور « خَرَقُوا » بتخفيف الراء، ونافع بتشديدها.
وقرأ ابن عباس بالحاء المهملة والفاء وتخفيف الراء، وابن عمر كذلك أيضاً، إلا أنه شدَّدَ الراء، والتخفيف في قراءة الجماعة بمعنى الاخْتِلاق.
قال الفراء : يال :« خَلَقَ الإفْكَ وخَرَقَهُ واخْتَلَقَهُ وافتَرَاهُ وافتَعَلَهُ وخَرَصَهُ بمعنى كذب فيه ».
والتشديد للتكثير، لأن القائلين بذلك خَلْقٌ كثير وجَمٌّ غفير.
وقيل : هما لغتان، والتخفيف هو الأصل [ وحكى الزمخشري أنه سئل الحسن عن هذه الكلمة، فقالك كملة عربية كانت العربُ تقولها كان الرجل إذا كذب كذْبَةً في نادي القوم يقُولُ له بعضهم : شقد خرقها والله أعلم ].
وقال الزمخشري :« ويجوز أن يكون من خَرْقِ الثوب إذا شقّه، أي : اشتقوا له بَنِينَ وبناتٍ ».
وأما قراءة الحاء المهملة فمعناها التَّزْوير، أي : زَوَّرُوا له أولاداً؛ لأنه المُزَوِّرَ مُحَرِّفٌ ومُغَيِّرُ الحق إلى الباطل.
وقوله :« بِغَيْرِ عِلمْمٍ » فيه وجهان :
أحدهما : أنه نَعْتٌ لمصدر محذوف؛ أي : خَرَقُوا له خَرْقاً بغير علمٍ قاله أبو البقاء، وهو ضعيف المعنى.


الصفحة التالية
Icon