قوله تعالى :﴿ واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ ﴾ الآية.
قال ابن عباس : يعني بالذِّكر : القراءة في الصلاة، يريد يقرأ سراً في نفسه.
قوله « تَضَرُّعاً وخيفَةً » في نصبهما وجهان :
أظهرهما : أنَّهُمَا مفعولان من أجلهما، لأنَّهُ يتسببُ عنهما الذِّكر. والثاني : أن ينتصبا على المصدر الواقع موقع الحال، أي : مُتضرعين خائفين، أو ذوي تضرع وخيفة.
وقرئ « وخفيَةً » بتقديم الفاءِ، وقيل : هما مصدران للفعل من معناه لا من لفظه ذكره أبو البقاءِ. وهو بعيدٌ.
قوله :« ودُونَ الجَهْرِ » قال أبُو البقاءِ : معطوف على تَضَرُّع، والتقديرُ، ومقتصدين. وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّ دُوَ ظرفٌ لا يتصرَّف علىلمشهور، قال فالذي ينبغي أن يجعل صفة لشيء محذوف ذلك المحذوف هو الحال، كما قدَّرهُ الزمخشري فقال : ودُونَ الجهْرِ ومتكلماً كلاماً دُونَ الجهْرِ، لأنَّ الغخفاء أدخلُ في الإخلاص، وأٌربُ إلى حسن التفكر.
فصل
معنى تضرُّعاً وخيفَةً أي : تتضرَّعُ إليَّ وتخافُ منِّي، هذا في صلاة السِّر وقوله ودُونَ الجهْرِ أرادَ في صلاة الجهرِ لا تَجْهَر جَهْراً شديداً، بل في خفضٍ وسُكونٍ تُسمعُ من وقال مجاهدٌ وابن جريجٍ : أمروا أن يذكروه في الصدورِ بالتضرع في الدُّعاء والاستكانة دون رعف الصوت والصياح في الدعاء.
قوله بالغُدُوِّ والآصالِ متعلق ب : اذْكُر أي : اذكُرْهُ في هذين الوقتين وهما عبارةٌ عن اللَّيل والنَّهارِ.
ومعناهما : البكرات والعشيَّات.
وقال أبُو البقاءِ : بالغُدُوِّ متعلق ب : ادعُو وهو سبقُ لسانٍ، أو قلم، إذ ليس نظمُ القرآن كذا، والغُدُوُّ : إما جمع غدوة، ك : قمح وقمحة، وعلى هذا فيكون قد قابل الجمع بالجمع والمعنوي.
وقيل هو مصدرٌ، قال تعالى :﴿ غُدُوُّهَا شَهْرٌ ﴾ [ سبأ : ١٢ ] فيقدَّرُ زمانٌ مضاف إليه حتَّى يتقابل زمان مجموع بمثله تقديره : بأوقات الغدو، والآصال جمع : أصُل، وأصُل جمع : أصيل، فهو جمع الجمع ولا جائزٌ أن يكون جمعاً ل : أصِيل، لأنَّ فعيلاً، لا يجمع على أفعال وقيل : هو جمعٌ ل : أصِيل، وفَعِيلٌ يجمع على أفْعَال نحو : يَمِينٌ وأيمانٌ، وقيل : آصال جمع ل : أصُل، وأصُل مفرد، ثبت ذلك من لغتهم، وهو العَشِيُّ وفُعُل يجمع على « أفْعَال » قالوا : عُنُق وأعْنَاق، وعلى هذا فلا حاجة إلى دَعْوَى أنَّه جمعُ الجمع، ويجمعُ على « أصْلأان » ك : رغيفٍ ورُغْفَان، ويُصَغَّر على لفظه؛ كقوله :[ البسيط ]
٢٦٦٧ - وقَفْتُ فيهَا أصَيْلاناً أسَئِلُهَا | عَيَّتْ جواباً وما بالرَّبْعِ مِنْ أحَدِ |
وقرأ أبو مجلز واسمه : لاحقُ بنُ حُميدٍ السدوسيُّ البصري : والإيصَال مصدرُ : أصَلَ أي : دَخَلَ في الأصيلِ، والأصيلُ : ما بين العصر والمغرب.
ثمَّ قال تعالى ﴿ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الغافلين ﴾ والمرادُ منه أنَّ العبد يجبُ أن يكون ذاكراً لِلَّهِ تعالى في كلِّ الأوقات لأنه حثّه على الذكرِ الغدوات وبالعشيات ثم عمَّمَ بقوله :﴿ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الغافلين ﴾ يعني أنَّ الذكر القلبي يجب أن يكون دائماص، وأن لا يغفل الإنسانُ عنه لحظةً واحدةً بحسب الإمكان.