ومن المعلومِ بالعادة أنَّ المؤمن يستقذر نفسه إذا كان جُنُباً، ويغتم إذا لم يمكن من الاغتسال، وقد يستدل بهذا على حصول اليسر وزوال العسر.
قوله :« ويُذْهِبُ عنكُمْ » نسق على « لِيُطَهِّركُم » وقرأ عيسى بنُ عُمَرَ :« ويذْهِبْ » بسكون الباء وهو تخفيف سمَّاهُ أبُو حيَّان : جَزْماً. والعامة على « رِجْزَ » بكسر الرَّاءِ وبالزاي.
وقرأ ابنُ محيصن : بضمِّ الراءِ، وابنُ أبي عبلة بالسِّين، وقد تقدَّم الكلامُ على كلِّ واحد منهم.
ومعنى : رجز الشيطانِ ههنا : ما ينشأ عن وسوسته، وقيل : الاحتلام، وقيل : إن الكفار لمَّا نزلوا على الماءِ وسوس الشَّيطانُ للمسلمينِ وخوَّفَهُم من الهلاكِ، فلمَّا نزل زالت تلك الوسوسة. فإن قيل : فأيُّ هذه الوجوه أوْلَى؟.
فالجوابُ : أنَّ قوله « لِيُطهِّركُم » معناه ليزيلَ الجنابة عنكم، فلوْ حملنا قوله ﴿ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان ﴾ على الجنابةِ لزم التَّكرار، وهو خلافُ الأصل.
ويمكن أنْ يُجابَ بأنَّ المُرادَ من قوله « لِيُطهِّركُم » حصولُ الطَّهارةِ الشَّرعيةِ، والمرادُ :﴿ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان ﴾ إزالة عين المَنِيّ عن أعضائهم فإنَّهُ شيء مُسْتَخْبَثٌ.
ثم نقول حمله على إزالة أثر الاحتلام أولى من حمله على إزالة الوسوسة؛ لأن تأثير الماءِ في إزالة العينِ عن العضو تأثير حقيقيّ، وتأثيره في إزالة الوسوسةِ عن القلبِ تأثير مجازي، وحمل اللفظِ على الحقيقةِ أولى من حمله على المجازِ.
قوله :﴿ وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ ﴾ أي بسبب نزول هذا المطر قويت قلوبهم وزال الخوفُ عنهم، ومعنى الرَّبط في اللغة : الشَّد، وقد تقدَّم في قوله :﴿ وَرَابِطُواْ ﴾ [ آل عمران : ٢٠ ].
قال الواحديُّ :« ويشبه أن تكون » على « ههنا صلة، والمعنى : وليربط قلوبكم بالصَّبر وما أوقع فيها من اليقين ».
وقال ابن الخطيب : ويشبه ألاَّ يكون صلة؛ لأنَّ كلمة « عَلَى » تفيد الاستعلاء، فالمعنى أنَّ القلوب امتلأتْ من ذلك الربط حتَّى كأنَّهُ عَلاَ عليها وارتفع فوقها.
قوله :﴿ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدام ﴾ قيل : إنَّ ذلك المطرَ لبَّد ذلك الرَّمل، وصيَّرهُ بحيث لا تغوص أرجلهم فيه فقدروا على المشي عليه كيفما أرادوا، ولولا هذا المطر لما قدروا عليه، وعلى هذا فالضَّمير في « بِهِ » عائدٌ على المطرِ.
وقيل : إنَّ ربط قلوبهم أوجب ثبات الرَّبْطِ.
وقيل : لمَّا نزل المطرُ حصل للكافرينَ ضدَّ ما حصل للمؤمنين؛ لأنَّ الموضع الذي نزل الكفارُ فيه كان موضع التُّرابِ والوحل، فلمَّا نزل المطرُ عظم الوحْلُ؛ فصار ذلك مانعاً لهم من المشي كيفما أرادوا فقوله :﴿ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدام ﴾ يدلُّ دلالة المفهوم على أنَّ حال الأعداءِ كان بخلاف ذلك.