والثاني : أنَّ « فوْقَ » مفعولٌ به على الاتَّساع؛ لأنه عبارةٌ عن الرَّأسِ، كأنَّه قيل : فاضربوا رُءوسهم، وهذا ليس بجيد؛ لأنَّهُ لا يتصرَّف.
وزعم بعضهم أنه يتصرَّف، وأنك تقول : فوقُك رَأسُك برفع فوقك، وهو ظاهرُ قول الزمخشريِّ، فإنه قال :« فَوْقَ الأعْنَاقِ » أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح لأنَّها مفاصلٌ.
الثالث :- وهو قول أبي عبيدة - : أنَّها بمعنى « على » أي : على الأعناقِ ويكون المفعولُ محذوفاً تقديره : فاضربوهم على الأعناق، وهو قريبٌ من الأول.
الرابع : قال ابنُ قتيبة : هي بمعنى :« دون ».
قال ابن عطيَّة :« وهذا خطأ بيِّنٌ وغلطٌ فاحشٌ، وإنَّما دخل عليه اللَّبْس من قوله :﴿ بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ [ البقرة : ٢٦ ] أي : فما دونها وليست » فوق « هنا بمعنى » دون « وإنَّما المرادُ : فَمَأ فوقها في القلَّة والصِّغَرِ ».
الخامس : أنها زائدةٌ أي : اضْرِبُوا الأعناقَ، وهو قول أبي الحسنِ. وهذا عند الجمهور خطأ؛ لأنَّ زيادة الأسماءِ لا يجوزُ.
قوله :﴿... مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ يجوزُ أن يتعلَّق :« مِنْهُمْ » بالأمر قبله، أي : ابتدئوا الضَّرب من هذه الأماكن، وهذا الكلامُ مع ما قبله معناه : اضربوهم في جميع الأماكن والأعضاءِ من أعاليهم إلى أسافلهم، ويجوز أن يتعلَّق بمحذوف على أنَّهُ حال من :« كُلَّ بنانٍ » لأنَّهُ في الأصل يجوزُ أن يكون صفةً لو تأخَّر، قال أبُو البقاءِ :« ويَضْعُفُ أن يكون حالاً من » بَنَانٍ « إذْ فيه تقديمُ حالِ المضافِ إليه على المضاف ». فكأنَّ المعنى : اضربوهم كيف ما كان.
قال الزمخشريُّ : يعني ضرب الهام.
قال :[ الوافر ]

٢٦٧٧ -.................... وأضْرِبُ هَامَة البْطَلِ المُشِيحِ
وقال :[ البسيط ]
٢٦٧٨ - غَشَّيْتُهُ وهْوَ في جَأواء بَاسِلَةٍ عَضْباً أصَابَ سَواءَ الرَّأسِ فانْفلقَا
وقال ابن عطية : ويُحتمل أن يريد بقوله :« فوق الأعْنَاقِ » وصْف أبلغِ ضرباتِ العنقِ، وهي الضربة التي تكون فوق عظم العنق ودون عظم الرأس.
ثم قال : ومنه قوله :[ الوافر ]
٢٦٧٩ - جَعَلْتُ السَّيْفَ بَيْنَ الجِيدِ مِنْهُ وبَيْنَ أسِيلِ خَدَّيْهِ عِذَارَا
وقيل : هذا مِنْ ذكرِ الجزء وإرادة الكل؛ كقول عنترة :[ الكامل ]
٢٦٨٠ - عَهْدِي بِهِ شَدَّ النَّهار كأنَّمَا خُضِبَ البنَانُ ورأسُهُ بالعِظْلِمِ
والبَنَان : قيل : الأصابعُ، وهو اسمُ جنسٍ، الواحد : بنانةٌ؛ قال عنترةُ :[ الوافر ]
٢٦٨١ - وأنَّ الموتَ طوْعُ يَدِي إذا مَا وصَلْتُ بنانَهَا بالهِنْدُوَانِي
وقال أبو الهيثم :« البنانُ : المفاصِلُ، وكل مفصل بنانة ».
وقيل : البنانُ الأصابع من اليدين والرِّجلين، وجميع المفاصل من جميع الأعضاء، وأنشد لعنترة :[ الطويل ]
٢٦٨٢ - وقَدْ كانَ فِي الهَيْجَاءِ يَحْمِي دِمَاءَهَا ويَضْرِبُ عِنْدَ الكَرْبِ كُلَّ بنانِ
وقد تُبْدلُ نونُه الخيرة ميماً؛ قال رؤبةُ :[ الرجز ]


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
٢٦٨٣ - يَا هَالَ ذاتَ المَنْطِقِ التَّمْتَامِ وكَفِّكِ المُخَضَّبِ البَنَامِ