وقال السُّديُّ : يحول بين الإنسان وقلبه، فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه.
وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ، وعطاءٌ : يحولُ بين المؤمن والكفر وبين الكافر والإيمان.
وقيلك إنَّ القوم لمَّا دعوا إلى القتال في حالة الضعف ساءت ظنونهم واختلجت صدورهم، فقيل لهم : قاتلُوا في سبيل اللَّهِ، واعلموا أنَّ الله يحُولُ بين المرءِ وقلبه فيبدلُ الله الخوف أمناً، والجبن جراءة.
قوله :« بَيْنَ المَرْءِ » العامَّةُ على فتح الميم.
وقرأ ابن أبي إسحاق : بكسرها على إتباعها لحركة الهمزة، وذلك ان في « المَرْءِ » لغتين : أفصحهما : فَتْح الميم مطلقاً، والثانية : إتباع الميم لحركة الإعراب فتقول : هذا مُرْءٌ - بضم الميم، ورأيت مَرْءاً - بفتحها، ومررت بِمِرْءٍ - بكسرها، وقرأ الحسن، والزهري : بفتح الميم وتشديد الرَّاءِ. وتوجيهها : أن يكون نقل حركة الهمزة إلى الرَّاءِ، ثم ضعَّف الراء، وأجرى الوصل مُجْرى الوقف.
قوله « وأنَّهُ » يجوز أن تكون الهاء ضمير الأمر والشأن، وأن تعود على الله تعالى، وهو الأحسن لقوله :« إلَيْهِ تُحْشَرُونَ » أي إلى اللَّهِ؛ ولا تتركون مهملين.
قوله ﴿ بَيْنَ المرء ﴾.
في « لا » وجهان :
أحدهما : أنَّها ناهيةٌ، وعلى هذا، فالجملةُ لا يجوزُ أن تكون صفةً ل « فِتْنَةً » لأنَّ الجملةًَ الطلبية لا تقعُ صفةً، ويجوز أن تكون محمولة لقول، ذلك القولُ هو الصِّفة أي : فتنةً مقولاً فيها : لا تُصيبن، والنَّهيُ في الصورة للمصيبة، وفي المعنى للمخاطبين، وهو في المعنى كقولهم : لا أرَيَنَّكَ ههنا، أي : لا تتعاطوا أسباباً يُصيبكم بسببها مصيبة لا تخص ظالمكم، ونونُ التوكيد على هذا في محلِّها، ونظيرُ إضمار القول قوله :[ الرجز ]
٢٦٩١ - جاءُوا بِمَذْقٍ هَلْ رَأيْتَ الذِّئْبَ قَط | أي مقول فيها ما رأيت. |
والثاني : أن
« لا » نافية، والجملةُ صفة ل
« فِتْنَةٌ » وهذا واضحٌ من هذه الجهة إلاَّ أنَّهُ يشكل عليه توكيد المضارع في غير قسم، ولا طلب، ولا شرط، وفيه خلافٌ : هل يجري المنفيُ ب
« لا » مجرى النَّهي؟ فقال بعضهم : نعم؛ واستشهد بقوله :[ الطويل ]
٢٦٩٢ - فَلا الجَارةُ الدُّنْيَا بها تَلْحَينَّهَا | ولا الضَّيْفُ فيها إن أنَاخَ مُحَوِّلُ |
وقال الآخر :[ الطويل ]
٢٦٩٣ - فَلاَ ذَا نَعِيمٍ يُتْرَكنْ لِنعيمِهِ | وإنْ قال قَرِّظْني وخُذْ رِشْوةً أبَى |
وَلاَ ذَا بئِيسٍ يتركنَّ لِبُؤْسِهِ | فَيَنْفَعَهُ شَكُوٌ إليه إن اشْتَكى |
فإذا جاز أن يُؤكد المنفيُّ ب
« لا » مع انفصاله، فلأن يؤكَّد المنفيُّ غيرُ المفصول بطريق الأولى إلاَّ أنَّ الجمهور يحملون ذلك على الضرورة.
وزعم الفرَّاءُ أنَّ :
« لا تُصِيبَنَّ » جواب للأمر نحو : انزلْ عن الدَّابة لا تَطْرَحَنَّكَ، أي : إن تنزل عنها لا تَطْرَحنك، ومنه قوله تعالى
﴿ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ ﴾