قال ابن عباس :« هي ما يخفى عن أعين النَّاس من فرائض الله تعالى ».
والأعمال التي ائتمن الله عليها العباد المذكورة في سبب النُّزول داخلة فيها، لكن لا يجب قصر الآية عليها لأنَّ العبرةَ بعموم اللَّفظ لا بخصوص السَّببِ.
قال الزمخشريُّ « ومعنى الخون النقص، كما أن معنى الوفاء التَّمام، ومنه تخوَّنه إذا تنقصه ثم استعمل في ضد الأمانة؛ لأنك إذا خُنتَ الرَّجُلَ في شيءٍن فقد أدخلت النُّقصان فيه ».
قوله :« وتَخُونُوا » يجوزُ فيه أن يكون منصوباً بإضمارِ « أنْ » على جواب النَّهي، أي : لا تجمعوا بين الخيانتين.
كقوله :[ الكامل ]
٢٦٩٤ - لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتأتِيَ مِثلَهُ | عَارٌ علَيْكَ إذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ |
و « أماناتكم » على حذف مضاف، أي : أصحاب أماناتكم، ويجوزُ أن يكونوا نهوا عن خيانة الأماناتِ مبالغةً كأنَّها جعلت مخونةً.
وقرأ مجاهدٌ ورويت عن أبي عمرو « أمَانتكُم » بالتَّوحيد، والمراد الجمع.
وقوله :« وأنتُمْ تَعْلَمُونَ » جملة حالية، ومتلَّقُ العلم يجوزُ أن يكون مراداً أي : وأنتم تعلمون قُبْحَ ذلك أو أنكم مؤاخذون بها، ويجوزُ ألاَّ يُقَدَّر، أي : وأنتم من ذوي العلمِ.
قوله :﴿ واعلموا أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾.
لمَّا كان الدَّاعي إلى الإقدام على الخيانةِ هو حب الأموالِ، والأولاد، نبَّه تعالى على أنه يجبُ على العقال أن يحترز عن المضار المتولدة من ذلك.
فقال :﴿ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ لأنَّها تشغل القلب بالدُّنيا.
ثم قال :﴿ وَأَنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ أي : أنَّ سعادة الآخرة خيرٌ من سعاداتِ الدُّنيا، لأنَّ سعادات الآخرة لا نهاية لها، وسعادات الدنيا تفني وتنقضي.