﴿ إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً ﴾ [ يس : ٨ ] إلى قوله :﴿ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾ [ يس : ٩ ] ومضى إلى الغار من ثور هو وأبو بكر، وخلف عليّاً بمكَّة حتَّى يؤدِّي عنه الودائع التي كانت توضع عنده لصدقه وأمانته، وباتُوا مُترصِّدين، فلمَّا أصبحوا ثَارُوا إلى مضجعه فأبصروا عليّاً فبهتوا.
وقالوا له : أيْنَ صاحبُك؟
قال : لا أدري فاقتصوا أثره وأرسلوا في طلبه، فلما بلغوا الغار رَأوْا على بابه نسخ العنكبوت، فقالوا : لو دخله لم يكن نسج العنكبوت على بابه؛ فمكث فيه ثلاثاً ثم قدم المدينة فذلك قوله :﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ ﴾.
وقوله « لِيُثُبِتُوكَ » متعلِّقٌ ب « يَمْكُرُ » والتثبيتُ هنا الضَّربُ، حتَّى لا يبقى للمضروب حركة؛ قال :[ البسيط ]
٢٦٩٨ - فَقلتُ : ويْحَكَ ماذا فِي صَحيفتكُمْ؟... قالوا : الخَليفَةُ أمْسَى مُثْبَتاً وجِعَا
وقرأ ابن وثَّابٍ « لِيُثِّبتُوكَ » فعدَّاهُ بالتضعيف، وقرأ النخعي « لِيبيتُوك » من البيات والمعنى :
قال ابنُ عبَّاسٍ : ليوثقوك ومن شد فقد أثبت؛ لأنَّهُ لا يقدر على الحركة، ولهذا يقال لمن اشتدَّتْ به علة أو جراحة تمنعه من الحركة قد أثْبِتَ فلانٌ، فهو مُثْبَتٌ.
وقيل : ليسجنوك، وقيل : ليثبتوك في بيتٍ، أو يقتلوك، وهو ما حكي من أبي جهل « أو يُخْرِجُوكَ » من مكَّة كما تقدم.
ثم قال :﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله ﴾ قال الضحاكُ : يصنعون ويصنع اللَّهُ، والمكرُ من الله التدبير بالحقِّ، وقيل : يجازيهم جزاء المكر. ﴿ والله خَيْرُ الماكرين ﴾ وقد تقدَّم الكلام في تفسير « المَكْرِ » في حق الله تعالى في آل عمران عند قوله :﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله ﴾ [ آل عمران : ٥٤ ].
فإن قيل : كيف قال ﴿ والله خَيْرُ الماكرين ﴾ ولا خير في مكرهم؟
فالجوابُ من وجوه : أحد : أنَّ المراد أقوى الماكرين، فوضع « خَيْرٌ » موضع « أقْوَى » تنبيهاً على أنَّ كُلَّ مكر، فإنَّهُ يبطل في مقابلة فعل اللَّهِ تعالى.
وثانيها : أنَّ المُرادَ لو قدر في مكرهم ما يكون خيراً.
وثالثها : أنَّ المراد ليس هو التفضيل، بل المرادُ أنَّهُ في نفسه خير كقولك : الزبد خير من الله، أي : من عند اللَّهِ.


الصفحة التالية
Icon