قال ابن عباس « لم يعذِّب الله قيةً حتى يخرج النبي منها، والذين آمنوا ويلحق بحيث أمرَ ».
قال أبو موسى الأشعريُّ : كان فيكم أمانان :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ فأمَّا النبي ﷺ فقد مضى، والاستغفار كائن فيكم إلى يومِ القيامةِ.
فإن قيل : لمَّأ كان حضوره مانعاً من نزول العذاب بهم، فكيف قال :﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ ﴾ [ التوبة : ١٤ ] ؟
فالجوابُ : المرادُ من الأوَّلِ عذاب الاستئصال، ومن الثاني : العذاب الحاصل بالمحاربة والمقاتلة.
وقال السديُّ :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ أي : لو استغفروا، ولكنهم لم يكونوا مستغفرين ولو أقرُّوا بالذَّنب واستغفروا لكانوا مؤمنين.
وقال عكرمةُ :« وهُمْ يَستَغْفرُونَ » يسلمون، يقول : لو أسلموا لما عذبوا، وروى الوالبي عن ابن عبَّاسٍ : أي : وفيهم من سبق له من الله أنه يؤمن ويستغفر كأبي سفيان، ومصعب بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام، وغيرهم.
وروى عبد الوهاب عن مجاهدٍ :« وهُمْ يستغْفِرُونَ » أي : وفي أصلابهم من يستغفر.
قوله تعالى :﴿ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله ﴾ الآية.
في « أن » وجهان :
أظهرهما : أنَّها مصدريةٌ، وموضعها إما نصبٌ، أو جرٌّ؛ لأنَّها على حذف حرف الجر، إذ التقدير : في ألاَّ يُعذِّبهم، وهذا الجارُّ متعلقٌ بما تعلَّ به :« لَهُمْ » من الاستقرار، والتقديرُ : أيَّ شيءٍ استقر لهم في عدم تعذيبِ اللَّهِ ياهم؟ بمعنى : لا حظ لهم في انتفاء العذاب.
والثاني : أنَّها زائدةٌ وهو قول الأخفش.
قال النَّحَّاسُ « : لو كانت كما قال لرفع » يُعذِّبهم «. يعني النَّحاس : فكان ينبغي أن يرتفع الفعلُ على أنه واقعٌ موضع الحال، كقوله :﴿ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بالله ﴾ [ المائدة : ٨٤ ] ولكن لا يلزمُ من الزيادةِ عدمُ العمل، ألا ترى :» أنَّ « مِنْ » و « الباء » يعملان وهما مزيدتان.
وقال أبُو البقاءِ :« وقيل هو حال، وهو بعيدٌ، لأنَّ » أنْ « تُخلِّص الفعل للاستقبال »
والظَّاهرُ أنَّ « ما » في قول « وَمَا لهُمْ » استفهامية، وهو استفهامٌ معناه التقرير، أي : كيف لا يُعذَّبُونَ وهم مُتَّصفون بهذه الحال؟.
وقيل :« ما » نافية، فهي إخبارٌ بذلك، أي : ليس عدمُ التَّعذيب، أي : لا ينتفي عنهم التعذيب مع تلبسهم بهذه الحال.
فصل
معنى الآية : وما يمنعهم من أن يعذبوا، أي : بعد خروجك من بينهم :﴿ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام ﴾ أي : يمنعون المؤمنينَ من الطَّواف، وقيل : أراد بالعذاب بالأوَّلِ عذاب الدُّنيا، وبهذا عذاب الآخرة.