الثاني : أنَّها حَالٌ من رَأس قاله أبُو البقاءِ، وفيه نظرٌ لعدم الرَّابط.
والثالث : أنَّها حالٌ من أخِيهِ.
قال أبُو البقاءِ :« وهو ضعيفٌ » يعني من حيث إنَّ الحَالَ من المُضافِ إليه يَقِلُّ مجيئُهَا، أو يمتنعُ عند بعضهم وقد تقدَّم أن بعضهم يُجَوّزهُ في صور، هذه منها وهو كونُ المضافِ جزءاً من المضافِ إليه.
فصل
الطَّاعنون في عصْمة الأنبياء يقولون : إنه أخذ برأسِ أخيه يجرُّه على سبيل الإهانةِ، والمُثْبِتُون لعصمة الأنبياء - عليهم الصَّلاة والسَّلام - قالوا : إنَّهُ جَرَّ أخَاهُ لِيَسْألَهُ ويستكشف مِنْهُ كيفية تلك الواقعة.
فإن قيل : فَلِمَ قَالَ :﴿ ابن أُمَّ إِنَّ القوم استضعفوني وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي ﴾ ؟
فالجوابُ : أنَّ هارون - عليه السَّلامُ - خاف أن يتوَهّمَ جُهَّالُ بني إسرائيل أنَّ موسى غضبان عليه كما غضب على عبدة العِجل.
فقالك قد نيهتهم، ولم يكن معي من الجمع ما أمنعهم به عن هذا العمل؛ فلا تفعل ما تُشْمِت أعدائي، فهم أعداؤُك فإنَّ القومَ يحملون هذا الفعل الذي تفعله على الإهانة لا على الإكرام.
قوله : ابْنَ أمَّ قرأ الأخوان، وأبو بكر، وابن عامر هُنَا، وفي طه، بكسر الميم، والباقون بفتحها. فأمَّا الفَتْحِ ففيها مذهبان.
مذهبُ البصريين : أنَّهُمَا بُنيا على الفتح، لتركيبهما تركيب « خَمْسةَ عَشَرَ »، فعلى هذا ليس « ابْن » مضافاً ل « أمّ »، بل هو مركَّب معها، فَحَركتُهَا حركةُ بناء.
والثاني : مذهب الكوفيِّينَ : وهو أنَّ « ابن » مضاف ل « أمّ » و « أمّ » مضافة لياءِ المتكلِّمِ، وياء المُتكلِّم قد قلبت ألفاً، كما تُقْلَبُ في المَنَادَى المُضاف إلى ياء المتكلم، نحو : يَا غلاماً، ثم حُذفت الألفُ واجتزىءَ عنها بالفَتْحَةِ، كام يُجْتَزَأ عن الياءِ بالكَسْرَةِ، فحينئذ حركة « ابْن » حركةُ إعراب، وهو مضاف ل « أمَّ » فهي في محلِّ خفض بالإضافة.
وأمَّا قراءة الكسر فعلى رأي البصريين هو كسرُ بناءٍ لأجل ياء المتكلم، بمعنى : أنَّا أضَفْنَا هذا الاسم المركب كلَّه لياء المتكلم، فَكُسِر، فَكُسِرَ آخرُه، ثم اجتُزىء عن الياء بالكسرةِ، فهو نظير : يا أحَدَ عشرِ، ثم : يا أحد عشر بالحذفِ، ولا جائز أن يكُونَا باقيين على الإضافة إذ لم يَجُزْ حذفُ الياء؛ لأنَّ الاسمَ ليس منادى، ولكنه مضاف إليه المُنادَى، فلم يَجُزْ حَذْفُ الياء منه.
وعلى رأي الكُوفيين يكون الكَسْرُ كسرَ إعراب، وحُذِفَت الياءُ مُجْتَزَأ عنها بالكسرةِ كما اجتُزىء عن ألفها بالفتحَةِ، وهذان الوجهان يَجْرِيَان، في :« ابن أمّ »، و « ابْنَ عَمّ »، و « ابْنَة أمّ »، و « ابنة عمّ ».
فصل
فاعْلَمْ أنَّهُ يجوزُ في هذه الأمثلةِ الأربعةِ خاصةً خَمْسُ لغات :
فُصْحَاهُنَّ : حذفُ الياءِ مجتزأ عنها بالكسرة، ثم قلبُ الياءِ ساكنة أو مفتوحة، وأمَّا غيرُ هذه الأمثلةِ الأربعة ممَّا أُضِيفَ إلى مضاف إلى ياء المتكلِّم في النِّداء، فإنَّهُ لا يجوز فيه إلاَّ ما يجُوزُ في غير بابِ النِّداءِ، لأنَّه ليس منادى، نحوُ : يا غلام أبِي، ويا غلام أمي، وإنَّما جَرَتْ هذه الأمثلةُ خاصَّةً هذا المَجْرَى؛ تنزيلاً للكلمتين منزلة كلمةٍ واحدةٍ، ولكثرة الاستعمالِ.