[ يونس : ٣١ ] وذلك يُدلُّ على أنه تعالى يوصل الرِّزق إليهم ساعة فساعة.
وإذا عرفت ذلك فنقول : إنَّ أبا جهلٍ ورهطهُ كاناو مجبولين على البطرِ، والمفاخرة والعجب وأما صدهم عن سبيل اللَّهِ فإنما حصل في الزَّمانِ الذي ادَّعى محمد - عليه الصَّلاة والسَّلام - فيه النبوة، فلهذا ذكر البطر والرئاء بصيغة الاسم، وذكر الصد بصيغة الفعل «.
واعلم أنَّ الذي قاله ابن الخطيب لا يخدش فيما أجاب به الواحديُّ؛ لأنَّ الواحدي إنَّما أراد من حيث الصِّناعة، لا من حيث المعنى.
ثم قال :﴿ والله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ أي : أنه عالم بما في دواخل القلوب، وذلك كالتَّهديدِ والزَّجر عن الرئاء.
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ ﴾ الآية.
وهذه من جملة النعم التي خصَّ اللَّهُ أهل بدر بها، وفي العامل في » إذْ « وجوه : قيل : تقديره اذكر إذْ زيَّن لهم، وقيل : عطف على ما تقدم من تذكير النعم، وتقديره : واذكروا إذ يريكموهم وإذْ زيَّن.
وقيل : هو عطف على قوله :﴿ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ الناس ﴾ تقديره : ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس وإذ زيَّن لهم الشيطان أعمالهم؛ فتكون الواو للحال، و » قد « مضمرة بعد الواو، عند من يشترط ذلك والله أعلم
فصل
في هذا التَّزيين وجهان :
الأول : أن الشيطان زيَّن بوسوسته من غير أن يتحوَّل في صورة إنسان، وهو قول الحسن والأصم.
والثاني : أنَّه ظهر في سورة إنسان.
قالوا : إن المشركين حين أرَادُوا المسير إلى بدر خافوا من بني بكر بن كنانة؛ لأنَّهُم كانوا قتلوا منهم واحداً، فلم يأمنوا أن يأتوهم من ورائهم، فتصوَّر لهم إبليسُ في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، وهو في بني بكر بن كنانة من أشرافهم في جند من الشياطين، ومعه راية، وقال لا غالِبَ لَكُمْ اليَوْمَ من النَّاسِ وإني جار لكم، مجيركم، من بني كنانة، ﴿ فَلَمَّا تَرَآءَتِ الفئتان ﴾ أي : التقى الجمعان، رأى إبليسُ الملائكة نزلوا من السماء، فعلم أنْ لا طاقةَ لهم بهم ﴿ نَكَصَ على عَقِبَيْهِ ﴾ وكانت يده في يد الحارث بن هشام، فلما نَكَصَ، قال الحارثُ : أتَخْذلنا في هذه الحال؟
فقال : إني أرى ما لا ترون ودفع في صدر الحارث وانهزموا.
قوله ﴿ لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم ﴾ لكم خبر » لا « فيتعلق بمحذوف، و » اليَوْمَ « منصوب بما تعلَّق به الخبر، ولا يجوزُ أن يكون » لكم « أو الظرف متعلقاً ب » غَالِبَ « ؛ لأنه يكون مُطَوَّلأاً ومتى كان مُطَوَّلاً أعرب نَصْباً.
قوله » مِنَ النَّاس « بيان لجنس الغالبِ.
وقيل : هو حالٌ من الضَّميرِ في » لَكُمُ « لتضمُّنه معنى الاستقرار، ومنع أبو البقاءِ أن يكون » من النَّاس « حالاً من الضمير في » غَالِبَ «، قال :» لأنَّ اسم « لا » إذا عمل فيما بعده أعرب « والأمر كذلك.