وضعَّف ابنُ عطية وجه الحالِ بعدم الواو، وليس بضعيفٍ لكثرة مجيء الجملة الحالية مشتملة على ضمير ذي الحال خاليةً من « واو » نظماً ونثراً، وعلى كون « الملائكةُ » فاعلاً، يكون « يَضْربُونَ » جملةً حاليةً، سواءً قرىء بالتأنيث أم بالتذكير، وجوابُ « لَوْ » محذوفٌ للدلالة عليه، أي : رأيت أمراً عظيماً.

فصل


المعنى : ولو عاينت؛ لأنَّ « لو » ترد المضارع إلى الماضي، كما ترد « إن » الماضي إلى المضارع.
قال الواحديُّ - رحمه الله - :« معنى يتوفى الذين كفروان يقبضون أرواحهم » قيل : عند الموت تضرب الملائكة وجوه الكفار وأدبارهم. وقيل : أراد المشركين الذين قتلوا ببدر، كانت الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم.
قال سعيدُ بن جبيرٍ، ومجاهد : يريدُ : أستاههم ولكن الله تعالى حَييٌّ يُكَنِّي.
وقال ابن عباس « كان المشركون إذا أقبلوا بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيف وإذا ولَّوْا أدركتهم الملائكة يضربون أدبارهم وقال ابن جريح » يريدُ ما أقبل منهم وما أدبر يضربون أجسادهم كلها «. والمراد بالتوفي : القتل.
قوله ﴿ وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق ﴾ هذا منصوب بإضمار قول الملائكة، أي : يضربونهم ويقولون لهم : ذوقوا. وقيل : الواو في »
يَضْربُونَ « للمؤمنين أي : يَضْربونهم حال القتال، وحال توفِّي أرواحهم الملائكة.
قيل : كان مع الملائكة مقامع من حديد، يضربون بها الكُفَّار، فتلتهب النَّار في جراحاتهم؛ فذلك قوله :﴿ وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق ﴾، وقال الحسن - رضي الله عنه - :»
هذا يوم القيامة، تقولُ لهم خزنةُ جهنم : ذوقوا عذاب الحريقِ « وقال ابنُ عبَّاسٍ - رضي الله تعالى عنهما - :» يقولون لهم ذلك بعد الموت «.
قوله :﴿ ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾.
أي : ذلك الضرب الذي وقع بكم، أو عذاب الحريق :﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ بما كسبت أيديكم وهذا إخبار عن قول الملائكة - عليهم السلام -.
قال الواحديُّ :»
يجوز أن يقال « ذلك » مبتدأ، وخبره ﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ ويجوز أن يكون خبره محذوفاً، والتقدير : ذلك جزاؤكم بما قدمت أيديكم، ويجوزُ أن يكون محل « ذلك » نَصْباً والتقدير : فعلنا ذلك بما قدمت أيديكم «.

فصل


فإن قيل : قوله ﴿ ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ يقتضي أنَّ فاعل هذا الفعل هو اليد، وذلك ممتنع لوجوه، أولها : أنَّ هذا العذاب إنما وصل إليهم بسبب كفرهم، ومحل الكفر هو القلب لا اليد وثانيها : أن اليد ليست محلاًّ للمعرفة والعلم، فلا يتوجَّه التكليف عليها، فلا يمكن إيصال العذاب إليها.
فالجوابُ : أن اليد ههنا عبارة عن القدرة وحسن هذا المجاز كون اليد آلة العمل، والقدرة هي المؤثرة في العمل، فحسن جعل اليد كناية عن القدرة.
واعْلَمْ أن الإنسان جوهر واحد، وهو الفعال، وهو الدراك، وهو المؤمن، وهو الكافر وهو المطيعُ، وهو العاصي، وهذ الأعضاء آلات لهُ، وأدوات له في الفعل؛ فأضيف الفعل في الظَّاهر إلى الآله، وهو في الحقيقة مضاف إلى جوهر ذاتِ الإنسان.


الصفحة التالية
Icon