﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ﴾ [ الشعراء : ١٠٥ ]. وقرأ الأعمش « ولا يَحْسبَ الذينَ كَفَرُوا » بفتح الباء.
وتخريجها على أن الفعل مؤكدٌ بنون التَّوكيد الخفيفة، فحذفها؛ لالتقاء الساكنين، كما يحذفُ له التنوين؛ فهو كقوله :[ المنسرح ]
٢٧٢٥ - لا تُهِينَ الفَقيرَ علَّكَ أنْ | تَرْكعَ يوماً والدَّهْرُ قد رفعهْ |
قوله :« سَبَقُوا » أي : فاتوا. نزلت في الذين انهزموا يوم بدرٍ من المشركين، فمن قرأ بالياء، يقول لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سابقين فائتين من عذابنا، ومن قرأ بالتَّاءِ فعلى الخطاب.
قوله ﴿ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ ﴾ قرأ ابن عامر بالفتح، والباقون بالكسر. فالفتح إمَّا على حذفِ لام العلة، أي : لأنهم. واستبعد أبو عبيد وأبو حاتم قراءة ابن عامر، ووجهُ الاستبعادِ أنَّها تعليلٌ للنَّهْي، أي : لا تحسبنَّهم فائتينح لأنَّهم لا يعجزون، أي : لا يقع منك حُسبانٌ لفوتهم؛ لأنَّهم لا يعجزون، وإمَّا على أنَّها بدلٌ من مفعولي الحسبان.
وقال أبُو البقاء :« إنَّه متعلقٌ ب » حسب «، إمَّا مفعولٌ، أو بدلٌ من سَبَقُوا ».
وعلى كلا الوجهين تكون « لا » زائدة «، وهو ضعيفٌ، لوجهين :
أحدهما : زيادة » لا «.
والثاني : أن مفعول » حسبن « إذا كان جملة، وكان مفعولاً ثانياً كانت » إنَّ « فيه مكسورة؛ لأنَّه موضع ابتداء وخبر.
وقرأ العامة :» لا يُعْجِزُونَ « بنون واحدة خفيفةٍ مفتوحةٍ، وهي نونُ الرفع. وقرأ ابن مُحَيْصِن » يُعْجِزُوني « بنون واحدة، بعدها ياء المتكلم، وهي نون الوقاية، أو نون الرفع، وقد تقدَّم الخلافُ في ذلك في سورة الأنعام في :» أتحاجُّوني «.
قال الزجاج : ألاختيارُ الفتحُ في النُّونِ، ويجوزُ كسرها، على أنَّ المعنى : لا يُعجزُونَنِي وتحذف النون الأولى، لاجتماع النونين » ؛ كما قال عمر بن أبي ربيعة :[ الوافر ]
٢٧٢٦ - تَراهُ كالثَّغَامِ يعلُّ مِسْكاً | يسُوءُ الفالياتِ إذا فَلَيْنِي |
٢٧٢٧ - ولقَدْ علمْتِ ولا مَحَالَة أنَّنِي | للحَادِثاتِ فَهَلْ تَرَيْنِي أجْزَعُ |
قال أبو جعفرٍ :« وهذا خطأ من وجهين :
أحدهما : أنَّ معنى » عَجّضزه « ضعَّفه وضعَّف أمره. والآخر : كان يجب أن يكون بنونين ».
قال شهابُ الدِّين :« أمَّا تخطئة النَّحاس لهُ فخطأٌ؛ لأن الإتيان بالنُّونين ليس بواجب بل هو جائز، وقد قرىء به في مواضع في المتواتر، سيأتي بعضها، وأمَّا » عجَّز « بالتشديد فليس معناه مقتصراً على ما ذكر، بل نقل غيره من أهل اللغة أن معناه نسبني إلى العجز، أو معناه : بَطَّأ، وثبَّط، والقراءة معناها لائقٌ بأحد المعنيين ». قرأ طلحة بكسر النون خفيفة.