يقال : جَنَحَ اللَّيْلأُ : أقْبَلَ.
قال النضرُ بن شميلٍ :« جنح الرَّجلُ إلى فلانٍ، ولفلان : إذا خضع له » والجُنُوح الاتِّباع أيضاً لِتضمُّنه الميل؛ قال النَّابغة - يصفُ طيراً يتبع الجيش :[ الطويل ]

٢٧٣٢ - جَوَانِحُ قَدْ أيْقَنَّ أنَّ قبيلهُ إذا ما التقَى الجَمْعَانِ أوَّلُ غَالِب
ومنه « الجَوانِحُ » للأضلاع، لميلها على حشو الشخص، والجناحث من ذلك، لميلانه على الطَّائر، وقد تقدَّم الكلامُ على بعض هذه المادة في البقرة.
قوله « لِلسَّلْمِ » تقدَّم الكلام على « السلم » في البقرة، وقرأ أبو بكر عن عاصم هنا بكسر السين، وكَذا في القتال :﴿ وتدعوا إِلَى السلم ﴾ [ محمد : ٣٥ ]، ووافقه حمزة ما في القتال و « لِلسَّلْم » متعلق ب « جَنَحُوا.
فقيل : يتعدَّى بها، وب »
إلى «.
وقيل : هنا بمعنى »
إلى «. وقرأ الأشهبُ العقيليُّ :» فاجْنُحْ « بضمِّ النُّون، وهي لغة قيس، والفتح لغة تميم.
والضمير في »
لها « يعود على » السلم « ؛ لأنَّها تذكَّرُ وتُؤنث؛ ومن التَّأنيث قوله [ المتقارب ].
٢٧٣٣ - وأقْنَيْتُ لِلْحربِ آلاتِهَا وأعْدَدْتُ للسِّلْمِ أوزارَها
وقال آخر :[ البسيط ]
٢٧٣٤ - السِّلْمُ تأخُذُ مِنْهَا ما رضيتَ بِهِ والحَرْبُ يَكْفيكَ منْ أنْفَاسِهَا جُرَعُ
وقيل : أثبت الهاء في »
لها « ؛ لأنَّهُ قصد بها الفعلة والجنحة، كقوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ الأعراف : ١٥٣ ] أراد : من بعد فعلتهم.
وقال الزمخشريُّ :»
السِّلْمُ تُؤنَّث تأنيث نقيضها، وهي الحربُ «. وأنشد البيت المتقدم : السِّلم تأخذ منها.

فصل


قال الحسنُ وقتادةُ : هذه الآية نسخت بقوله :﴿ فاقتلوا المشركين ﴾ [ التوبة : ٥ ].
وقوله ﴿ قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله ﴾ [ التوبة : ٢٩ ].
وقال غيرهما : ليست منسوخة؛ لكنها تتضمَّنُ الأمر بالصُّلح إذا كان الصلاح فيه، فذا رأى مصالحتهم، فلا يجوز أن يهادنهم سنة كاملة وإن كانت القوة للمشركين جاز مهادنتهم عشر سنين، ولا يجوز الزيادة عليها اقتداء برسول الله ﷺ، فإنه هادن أهل مكَّة عشر سنين، ثم إنهم نقضُوا العهد قبل كمال المُدَّة.
وقوله ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الله ﴾ أي : فوِّض الأمر فيما عقدته معهم إلى الله.
﴿ إِنَّهُ هُوَ السميع العليم ﴾ نبَّه بذلك على الزَّجر عن نقض العهد؛ لأنَّهُ عالم بما يضمير العبد سميع لما يقوله.
قال مجاهدٌ :»
نزلت في قريظة والنضير « وورودها فيهم لا يمنع من إجرائها على ظاهر عمومها.
قوله تعالى ﴿ وَإِن يريدوا أَن يَخْدَعُوكَ ﴾ الآية.
أي : يريدوا ان يغدروا ويمكروا بك.
قال مجاهدٌ : يعني : بني قريظة ﴿ فَإِنَّ حَسْبَكَ الله هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبالمؤمنين ﴾ أي : بالأنصارِ.
فإن قيل : لما قال :﴿ هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ ﴾ فأي حاجة مع نصره إلى المؤمنين، حتَّى قال »
وبالمؤمنين «.
فالجوابُ : أنَّ التَّأييدَ ليس إلا من الله، لكنه على قسمين :
أحدهما : ما يحصل من غير واسطة أسباب معتادة.


الصفحة التالية
Icon