يعني أنَّهُ من طريق الأدل لا يُؤتَى بالواو التي تقتضي الجمع، بل يأتي ب « ثم » التي تقتضي التراخي والاحديثُ دالٌّ على ذلك.
الثاني : أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره : وحسب من اتبعك.
الثالث : هو مبتدأ والخبر محذوف تقديره : ومن اتبعك كذلك، أي : حسبهم الله.
وقرأ الشعبيُّ « ومَنْ » بسكون النون « أْتْبَعك » بزنة « أكْرَمَكَ ».
قوله تعالى :﴿ ياأيها النبي حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال ﴾ الآية.
لمَّا بيَّن أنه تعالى كافيه بنصره، وبالمؤمنين، بيَّن ههنا أنه ليس من الواجب أن يتكل على ذلك إلا بشرط أن يحرض المؤمنين على القتال؛ فإنه تعالى كفيل بالكفاية بشرط أن يحصل منهم التعاون على القتال، والتحريض كالتحضيض والحث.
يقال : حَرَّضَ وَحَرَّشَ وحرَّكَ وحثَّ بمعنىً واحد.
وقال الهرويُّ « يقال : حَارَضَ على الأمر، وأكَبَّ، وواكبَ، وواظبَ، وواصبَ بمعنىً ».
قيل : وأصله من الحَرَض، وهو الهلاك، قال تعالى :﴿ حتى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين ﴾ [ يوسف : ٨٥ ].

٢٧٣٧ - إنِّي امْرؤٌ نَابَنِي همٌّ فأحْرَضَنِي حتَّى بَليتُ وحتَّى شَفَّنِي سَقَمُ
قال الزجاج :« تأويل التحريض في اللُّغةِ أن يُحَثَّ الإنسان على شيءٍ حتى يُعلمَ منه أنَّه حارضٌ والحارض : المقاربُ للهلاك » واستبعد النَّاسُ هذا منه، وقد نَحَا الزمخشريُّ نحوه، فقال :« التَّحريضُ : المبالغةُ في الحثِّ على الأمر، من الحرَض، وهو أن ينهكه المرض، ويتبالغ فيه حتى يُشْفِيَ على الموت أو تُسَمِّيه حَرضاً، وتقولُ له : ما أراك إلاَّ حَرضاً ».
وقرأ الأعمش « حَرِّصْ » بالصاد المهملة، وهو من « الحِرْصِ »، ومعناه مقارب لقراءة العامة.
قوله :﴿ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ ﴾ الآيات.
أثبت في الشرط الأول قيداً، وهو الصبرُ، وحذف من الثاني : وأثبت في الثاني قيداً، وهو كونهم من الكفر، وحذف من الأوَّلِ، والتقديرُ : مائتين من الذين كفروا، ومائة صابرة فحذف من كلٍّ منهما ما أثبت في الآخر، وهو في غاية الفصاحة.
وقرأ الكوفيون :﴿ وإن يكُنْ منْكُم مائةٌ يَغلِبُوا ﴾، ﴿ فإنْ يكنْ منكُم مائةٌ صابرةٌ ﴾ بتذكير « يكن » فيهما، ونافع وابن كثير وابن عامر بتأنيثه فيهما، وأبو عمرو في الأولى كالكوفيين وفي الثانية كالباقين.
فَمَنْ ذكَّر فللفصل بين الفعل وفاعله بقوله :« مِنكُمْ » ؛ لأنَّ التأنيث مجازي، إذ المراد ب « المائة » الذُّكور، ومنْ أنَّثَ فلأجل اللفظِ، ولم يلتفت للمعنى، ولا للفصل.
وأمَّا أبو عمرو فإنَّما فرٌَّ بين الموضعين فذكَّر في الأول، لما ذكر؛ ولأنَّهُ لحظ قوله :« يغلبوا » وأنَّثَ في الثاني، لقوة التأنيث بوصفه بالمؤنث في قوله :« صَابِرَةٌ »، وأمَّا :﴿ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ ﴾ و ﴿ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ ﴾ فبالتذكير عند جميع القرَّاء، إلاَّ الأعرج، فإنه أنَّثَ المسند إلى « عشرون ».


الصفحة التالية
Icon