قوله :« ضَعْفاً » قرأ عاصم وحمزة هنا، وفي الرُّوم في كلماتها الثلاث ﴿ الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً ﴾ [ الروم : ٥٤ ] بفتح الضاد والباقون بضمها. وعن حفص وحده خلافٌ في الروم.
وقرأ عيسى بن عمر :« ضُعُفاً » بضم الضاذ والعين وكلها مصادر.
وقيل : الضَّعْفُ - بالفتح - في الرأي والعقل، وبالضم في البدن.
وهذا قول الخليل بن أحمد، هكذا نقله الراغب عنه. ولمَّا نقل ابنُ عطية هذا عن الثعلبي، قال :« وهذا القول تردُّه القراءة ». وقيل : هما بمعنى واحد، لغتان : لغةُ الحجاز الضَّمُّ، ولغةُ تميم الفتح، نقله أبو عمرو، فيكونان ك : الفَقْر والفُقْر، والمَكْث والمُكْث، والبَخَل والبُخْل.
وقرأ ابن عباس فيما حكى عنه النقاش وأبو جعفر « ضُعَفَاء » جمعاً على « فُعَلاءَ » ك « ظَرِيف وظُرفُاء.
قوله »
يكُن مِنكُم « » يكن « في هذه الأماكن يجوز أن تكون التامَّة، ف » مِنكُمْ « إمَّا حالٌ من » عِشْرثون « لأنها في الأصل صفةٌ لها، وإمَّا متعلق بنفس الفعل، لكونه تاماً، وأن تكون الناقصة فيكون » مِنكُمْ « الخبرَ، والمرفوعٌ الاسمَ، وهو » عِشْرُونَ «، و » مائة «، و » ألف «.

فصل


روى عطاءٌ عن ابن عبَّاسٍ :»
لما نزلت التكليف الأوَّلُ ضَجَّ المهاجرون، وقالوا : يا ربَّنا نحن جياع، وعدونا شباع، ونحن في غربة وعدونا في أهلهم، ونحن قد أخرجنا من ديارنا وأموالنا، وعدونا ليس كذلك، وقال الأنصارُ : شُغلْنَا بعَدُوِّنَا، وواسينا إخواننا، فنزل التَّخفيف «.
وقال عكرمةُ :»
إنَّما أمر الرجل أن يصبر لعشرة، والعشرةُ لمائةٍ حال ما كان المسلمون قليلين، فلمَّا كثروا خفف الله عنهم، ولهذا قال ابن عباس :« أيُّمَا رجلٌ فرَّ من ثلاثة فلم يفر، فإن فر من اثنين فقد فَرَّ ». والجمهورُ ادَّعُوا أن قوله :﴿ الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ ﴾ ناسخ للآية المتقدمة «.
وأنكر أبو مسلم الأصفهانيُّ هذا النسخ، وقال :»
إن قوله في الآية الأولى :﴿ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ ﴾ فهذا الخبر محمول على الأمر، لكن بشرط كون العشرين قادرين على الصَّبر لمُقاتلةِ المائتين، وقوله :﴿ الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ﴾ يدلُّ على أنَّ ذلك الشرط غير حاصل في حقِّ هؤلاء، فالآية الأولى دلَّت على ثبوت حكم بشرط مخصوص، وهذه الآية دلَّت على أنَّ ذلك الشَّرط مفقود في حقِّ هذه الجماعة، فلا جرم لم يثبت ذلك الحكم، وعلى هذا التقدير لم يحصل النسخ ألبتة «.


الصفحة التالية
Icon