قوله تعالى :﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى ﴾ الآية.
قرأ أبو عمرو « تكون » بالتأنيث، مراعاةً لمعنى الجماعة، والباقون بالتَّذكير، مراعاةً للفظ الجمع، والجمهورُ هنا على « أسْرَى » وهو قياس « فعيل » بمعنى « مفعول » دالاَّ على أنه ك : جَريح وجَرْحَى.
وقرأ ابنُ القعقاع والمفضَّل عن عاصم « أسَارَى » شبَّهُوا « أسير » ب :« كَسْلان » فجمعوهُ على « فُعَالَى » كَ :« كُسَالَى »، كما شَبَّهُوا به « كسلان » فجمعوه على « كَسْلَى »، وقد تقدَّم القولُ فيهما في البقرة.
قال الزمخشري :« وقرىء » ما كان للنَّبي « على التعريف »
فإن قيل : كيف حسن إدخال لفظه « كان » على لفظة « يكون » في هذه الآية؟ فالجوابُ : قوله « مَا كَان » معناه النفي والتنزيه، أي : ما يجب وما ينبغي أن يكون المعنى المذكور، كقوله :﴿ مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ﴾ [ مريم : ٣٥ ].
قال أبو عبيدة « يقول : لم يكن لنبي ذلك، فلا يكن لك، ومن قرأ ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ ﴾ فمعناه : أنَّ هذا الحكم ما كان ينبغي حصوله لهذا النبي، وهو محمد ﷺ ».
قوله :« حتَّى يُثخِنَ » قرأ العامَّةُ « يُثْخنَ » مخففاً، عدوهُ بالهمزة.
وقرأ أبُو جعفر ويحيى بن وثاب ويحيى بن يعمر « يُثَخِّنَ » بالتشديد، عدوهُ بالتضعيف، وهو مشتقٌّ من الثَّخانة، وهي الغِلَظ والكثافة في الأجسام، ثمَّ يُسْتَعار ذلك في كثرة لاقتل، والجراحات، فيقال : أثْخَنَتْه الجراح، أي : أثقلته حتى أثْبَتَتْه، ومنه « حتَّى إذا أثخنتموهم ».
وقيل : حتى يقهر، والإثخان : القهرُ.
وأنشد المفضلُ :[ الطويل ]
٢٧٣٨ - تُصَلِّي الضُّحَى ما دَهْرُهَا بتَعَبُّدٍ | وقَدْ أثْخَنَتْ فرعَونَ في كُفُرِهِ كُفْرَا |
ويقال منه : ثَخُنَ يَثْخُنُ ثَخَانَة فهو ثَخِين، ك : ظَرُفَ يَظْرُف ظَرَافَةً، فهو ظريفٌ.
قوله ﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا والله يُرِيدُ الآخرة ﴾. الجمهورعلى نصب « الآخرة ».
وقرأ سليمانُ بن جماز المدني بجرِّها، وخُرِّجتْ على حفِّ المضاف وإبقاء المضاف إليه على جرِّه. وقدَّره بعضهم عرض الآخرة، فعيب عليه؛ إذْ لا يحسن أن يقال : والله يريد عرض الآخرة فأصلحه الزمخشريُّ بأنْ جعلهُ كذلك؛ لأجل المقابلة، قال :« يعني ثوابها » وقدَّره بعضهم ب « أعمال »، أو « ثواب »، وجعله أبُو البقاءِ كقول الآخر :[ المتقارب ]
٢٧٣٩ -..................... | ونَارٍ توقَّدُ باللَّيْلِ نَارَا |
قال أبُو حيان :« ليست الأيةُ مثل البيت، فإنهُ يجوزُ ذلك، إذَا لمْ يُفْصل بين حرف العطف وبين المجرور بشيء كالبيت، أو يفصل ب » لا « نحو :» ما مثل زيد ولا أخيه يقولان لك « أمَّا إذَا فُصِل بغيرها كهذه القراءةِ فهو شاذٌّ قليل ».