وكان الفداء لكل أسيرٍ أربعين أوقية، والأوقيةُ : أربعون ردهماً.
قوله :﴿ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾.
قال ابنُ عباسٍ : كانت الغنائمُ حراماً على الأنبياء؛ فكانُوا إذَا أصابوا مَغْنَماً جعلوه للقربان فكانت تتنزل نار من السماءِ فتأكله، فلمَّا كان يوم بدر أٍرع المؤمنون في الغنائم، وأخذ الفداء، وفأنزل اللَّهُ تعالى :﴿ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ ﴾.
يعني : لولا قضاء من الله سبق في اللوح المحفوظ بأنَّهُ تحلُّ لكم الغنائم لمَسَّكُم العذاب.
وهذا مشكل؛ لأنَّ تحليل الغنائم والفداء، هل كان حاصلاً في ذلك الوقت، أو ما كان حاصلاً فيه؟ فإن كان ذلك التَّحليل والإذن حاصلاً في ذلك الوقت امتنع إنزال العذاب عليهم؛ لأنَّ ما كان مأذوناً فيه من قبل الشرع لم يحصل العقابُ على فعله.
وإن قلنا : إنَّ الإذن ما كان حاصلاً في ذلك الوقت كان ذلك الفعل حراماً في ذلك الوقت، أقصى ما في الباب أنَّهُ سيحكم بحله بعد ذلك، إلاَّ أنَّ هذا لا يقدح في كونه حراماً في ذلك الوقت.
فإن قالوا : إنَّ كونه بحيثُ يصير بعد ذلك حلالاً، يوجبُ تخفيف العقابِ.
قلنا : فإذا كان الأمر كذلك امتنع إنزال العقاب بسببه، وذلك يمنع من التخويف بسبب ذلك العقاب.
قال ابنُ العربيِّ :« في هذه الآية دليلٌ على أنَّ العبد إذا اقتحم ما يعتقده حراماً ممَّا هو في علم اللَّه حلال له لا عقوبة عليه، كالصَّائم إذا قال : هذا يوم نَوْبي فأفطر الآن، وتقولُ المرأة : هذا يوم حيضتي فأفطر، ففعلا ذلك، وكان النوب والحيضُ الموجبان للفطر، فمشهور المذهب أن فيه الكفارة، وهو قول الشافعيِّ.
وقال أبُو حنيفة : لا كفارة عليه. وجه الأوَّل أنَّ طريق الإباحة لا يثبت عذراً غير عقوبة التَّحْريمِ عند الهتكِ، كما لَوْ وَطىء امرأة ثمَّ نكحها.
ووجه قول أبي حنيفةَ : أنَّ حرمة اليوم ساقطة عند الله - عزَّ وجلَّ -، فصادق الهَتْكَ محلاًّ لا حرمةَ له في عِلْمِ اللَّه تعالى، كما لو قصد وطء امرأة زُفَّت إليه، وهو يعتقدُ أنَّها ليست بزوجةٍ له فإذا هي زوجته ».
قال القرطبيُّ :« وهذا أصحُّ ».
وقال ابن جريح :« لولا كتابٌ من اللَّهِ سبقَ » أنَّهُ لا يضلُّ قوماً بعد إذْ هداهم حتَّى يبين لهم ما يتقون، وأنَّهُ لا يأخذ قوماً فعلوا شيئاً بجهالة، وأنَّهُ لا يعذب إلا بعد النهي، لعذبكم فيما صنعتم، وأنَّهُ تعالى ما نهاهم عن أخْذِ الفداءِ. وهذا أيضاً ضعيفٌ؛ لانَّا نقول حاصل هذا القول أنه ما وجد دليل شعري يوجب حرمة ذلك افداء. فهل حصل دليل عقليّ يقتضي حرمته أم لا؟
فإن قلنا : حصل، فيكون اللَّهُ تعالى قد بيَّن تحريمه بواسطة ذلك الدَّليل العقلي، فلا يمكن أن يقال : إنَّهُ تعالى لم يُبيَِّن تلك الحرمة، وإن قلنا : إنه ليس في العقل ولا في الشَّرع ما يقتضي المنع؛ فحينئذ امتنع أن يكون المنع حاصلاً وإذا كان الإذن حاصلاً فكيف يمكن ترتيب العقاب على فعله؟
وقال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير :﴿ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ ﴾ أنَّهُ لا يعذِّب أحداً شهد بدراً مع النبيِّ ﷺ، وهذا أيضاً مشكلٌ؛ لأنَّهُ يقتضي أن يقال : إنهم ما منعُوا عن الكُفْرِ والمعاصي والزِّنا والخمر، وما هددوا بترتيب العذابِ على هذه القبائح، وذلك يوجبُ سقوط التَّكاليف عنهم، ولا يقوله عاقل، وأيضاً فلو كان كذلك، فكيف أخذهم اللَّهُ في ذلك الموضع بِعَيْنه في تلك الواقعةِ بعينها؟
قال ابنُ الخطيب :« واعلمْ أنَّ النَّاس أكثروا فيه، والمعتمد في هذا الباب أن نقول :
أمَّا على قول أهل السنة : فيجوز أن يعفُو اللَّهُ عن الكبائر.