فإن قيل تمسكوا بهذه الآية في أن الإمام بعد رسول الله ﷺ هو علي بن أبي طالب، لقوله :﴿ وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ ﴾ [ الأنفال : ٧٥ ] فدل على ثبوت الأولوية، وليس في الآية شيء معين في ثبوت هذه الأولوية؛ فوجب حمله على الكل، إلاَّ ما خصّه الدَّليل، فيندرج فيه الإمامة، ولا يجوزُ أن يقال : إنَّ أبا بكر من أولي الأرحام، لما نقل أنَّهُ ﷺ أعطاءه سورة براءة ليبلغها إلى القوم ثم بعت علياً خلفه وأمر أن يكون المبلغ هو علي، وقال :« لا يُؤدِّيها إلاَّ رجلٌ مِنِّي » وذلك يدلُّ على أنَّ أبا بكر ما كان منه.
والجوابُ : إن صحَّت هذه الدلالة كان العباس أولى بالإمامةِ؛ لأنَّهُ كان أقرب إلى رسول الله ﷺ مِنْ عليٍّ.
قول :﴿ فِي كِتَابِ الله ﴾ يجوزُ أن يتعلَّق بنصّ أولها أي : أحق في حكم الله أو في القرن، أو في اللوح المحفوظ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر، أي : هذا الحكمُ المذكور في كتاب الله.
ثم قال :﴿ إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ أي : أنَّ هذه الأحكام التي ذكرتها وفصلتها كلها حكمة وصواب، وليس فيها شيء من العبث؛ لأنَّ العالم بجميع المعلومات لا يحكم إلاَّ بالصَّواب.
روى أنس قال : قال رسولُ الله ﷺ :« مَنْ قَرَأ سُورة الأنفال وبراءة فأنَّا شَفِيعٌ لَهُ يوم القيامة، وشاهد أنَّه بريءٌ منَ النِّفاق وأعطي من الأجْرِ بعددِ كُلِّ مُنافقٍ ومُنافِقَةٍ في دارِ الدُّنْيَا عشر حسناتٍ، ومُحِيَ عنه عشرُ سيئاتِ، ورفع لهُ عشرُ درجاتٍ، وكان العَرْشَ وحملته يُصَلُّون عليه أيَّام حياتِهِ في الدنيا »


الصفحة التالية
Icon