[ الأنفال : ٥٦ ].
الثاني : أن يكون قد شرط لبعضهم في وقت العهد أن يقرهم بما أمر الله به، فلمَّا أمر الله تعالى بقطع العهدِ بينهم قطع لأجل الشرط.
الثالث : أن يكون مؤجلاً فتنقضي المدَّةُ وينقضي العهدُ، ويكونُ الغرض من إظهار البراءة أن يظهر لهم أنه لا يعود للعهد، وأنه على عزم المحاربة والمقاتلة، فأمَّا فيما وراء هذه الأحوال الثلاثة لا يجوزُ نقض العهد ألبتَّةَ؛ لأنَّه يجري مجرى الغدر وخلف القول، والله ورسوله بريئان منه؛ ولهذا المعنى ألبتَّةَ؛ لأنَّه يجري مجرى الغدر وخلف القول، والله ورسوله بريئان منه؛ ولهذا المعنى قال تعالى :﴿ إِلاَّ الذين عَاهَدتُّم مِّنَ المشركين ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فأتموا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ ﴾ [ التوبة : ٤ ]، وقيل : إنَّ أكثر المشركين نقضوا العهد إلاَّ بنُو ضمرة وبنُو كنانة.
قوله :﴿ إِلَى الذين عَاهَدْتُمْ مِّنَ المشركين ﴾ الخطاب مع أصحاب النبي ﷺ، وإن كان النبي ﷺ هو الذي عاهدهم وعاقدهم؛ لأنه عاهدهم وأصحابه بذلك راضون، فكأنَّهم « عَاقَدُوا » وعاهدوا.
قوله :« فَسِيحُواْ ». قال ابنُ الأنباري :« هذا على إضمار القولِ، أي : قل لهم فسيحوا » ويكون التفاتاً من الغيبة إلى الخطابِ، كقوله :﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً ﴾ [ الإنسان : ٢١-٢٢ ]، ويقال : سَاحَ يَسيحُ سِياحةً وسُيُوحاً وسَيحَاناً أي : انساب، لِسَيْح الماء في الأماكن المنبسطة، قال طرفة :[ السريع ]

٢٧٤٢- لَوْ خِفْتُ هَذَا مِنْكَ مَا نِلْتَني حتَّى ترى خَيْلاً أمَامِي تَسِيحْ
و « أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ » ظرف ل « سِيحُوا »، وقرىء « غَيْرُ مُعْجِزي اللهَ » بنصب الجلالةِ على أنَّ النون حُذفتْ تخفيفاً، وقد تقدَّم تحريره.

فصل


المعنى : قال لهم سيروا في الأرض مقبلين ومدبرين، آمنين غير خائفين :﴿ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ واعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله ﴾ أي : غير فائتين ولا سابقين :﴿ وَأَنَّ الله مُخْزِي الكافرين ﴾ أي : مذلهم بالقتال في الدُّنيا والعذاب في الآخرة.
واختلفوا في هذه الأشهر الأربعة، فقال الزهريُّ :« إن براءةَ نزلت في شوال، وهي أربعة أشهر : شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم »، والصَّواب الذي عليه الأكثرون : أنَّ ابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر، وانقضاؤه إلى عشرين من ربيع الآخر، ومن لم يكن له عهد، فإنما أجله انسلاخ الأشهر الحرم، وذلك خمسون يوماً، وقيل : ابتداء تلك المدة كان من عشر ذي القعدة إلى عشر من ربيع الأول؛ لأنَّ الحجَّ في تلك السنة كان في ذلك الوقت بسبب النَّسيء الذي كان فيهم، ثم صار في السَّنة الثانية في ذي الحجة وهي حجة الوداع ويدلُّ عليه قوله عليه الصَّلاة والسَّلام :
« ألا إنَّ الزَّمَانَ قَد اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَق اللهُ السَّمَاوَاتِ والأرْض ».

فصل


اختلف العلماء في هذا التأجيل، وفي هؤلاء الذين برىء الله ورسوله من العهود التي كانت بينهم وبين رسول الله ﷺ.


الصفحة التالية
Icon