قال أبو حيَّان :« ولا وجه لقولِ من قال : إنه معطوف على » بَرَاءَةٌ «، كما لا يقال » عمرو « معطوف على » زيد « في : زيد قائم وعمرو قاعد ».
وقرأ الضحاك وعكرمة وأبو المتوكل « وإذْن » بكسر الهمزة وسكون الذَّال، وقرأ العامَّةُ « أنَّ الله » بفتح الهمزة على أحد وجهين، إمَّا كونه خبراً ل « أذانٌ »، أي : الإعلامُ من اللهِ براءة من المشركين. وضعَّف أبو حيان هذا الوجه، ولم يذكر تضعيفه. وإمَّا على حذف حرفِ الجرِّ، أي : بأنَّ الله، ويتعلَّقُ هذا الجارَّ إمَّا بنفس المصدر، وإمَّا بمحذُوفٍ على أنه صفة ويَوْمَ منصوبٌ بما تعلَّق به الجارُّ في قوله إلى النَّاسِ. وزعم بعضهم أنَّه منصوبٌ ب « أذَانٌ » وهو فاسدٌ من وجهين :
أحدهما : وصفُ المصدر قبل عمله.
الثاني : الفَصْلُ بينه وبين معموله بأجنبي، وهو الخبرُ، وقرأ الحسنُ والأعرج بكسر الهمزة وفيه المذهبان المشهوران، مذهبُ البصريين إضمارُ القول، ومذهبُ الكوفيين إجراءُ الأذانِ مُجْرَى القول.

فصل


والأذانُ : الإعلامُ، قال الأزهري :« آذنْتُه إيذاناً. فالأذانُ يقوم مقام الإيذان، وهو المصدر الحقيقي » ومنه : أذان الصَّلاة، ومنه قوله عليه الصَّلاة والسَّلام للاّتي غسَّلن ابنته زينب :« فإذا فَرغتن فآذنَّني » أي : أعلمنني، فلمَّا فرغنا آذنَّاهُ، أي : أعلمناه، والأذانُ معروفٌ.
ونقل النووي في « التهذيب » عن الهرويِّ قال : ويقال فيه الأذان، والأذين، والإيذان قال : وقال شيخي : الأذينُ هوالمؤذن المعلم بأوقات الصلوات « فعيل » بمعنى « مفعل » [ وقوله عليه السلام :« ما أذِن الله كأذنه » بكسر الذال منه، وقوله :« كأذَنِهِ » بفتح الذال، والأذن بضم الذال وسكونها : أذن الحيوان، مؤنثة، وتصغيرها : أذينة. و « إذن » في قوله عليه السلام :« فلا إذن » حرف مكافأة وجواب، يكتب بالنون، وإذا وقفت على « إذن » قلت كما تقول : رأيت زيداً. قال الجوهري ].
قوله :« مِنَ المُشركِينَ » متعلقٌ بنفس « بَرِيءٌ »، ما يقال : بَرئْتُ منه، وهذا بخلاف قوله :﴿ بَرَآءَةٌ مِّنَ الله ﴾ [ التوبة : ١ ] فإنَّها هناك تحتمل هذا، وتحتمل أن تكون صفة ل « بَراءَةٌ ».
قوله ورسُولُهُ الجمهور على رفعه، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مبتدأ، والخبرُ محذوفٌ أي : ورسوله بريءٌ منهم، وإنَّما حذف، للدلالةِ عليه.
والثاني : أنه معطوفٌ على الضمير المستتر في الخبر، وجاز ذلك للفصل المسوِّغ للعطف، فرفعه على هذا بالفاعلية والتقدير : برئ الله ورسوله [ من المشركين ].
الثالث : أنه معطوف على محلِّ اسم « أنَّ » وهذا عند من يجيز ذلك في المفتوحة قياساً على المكسورةِ، قال ابنُ عطيَّة « ومذهبُ الأستاذ - يعني ابن البَاذشِ - على مقتضى كلام سيبويه أن لا موضع لما دخلت عليه [ » أنَّ « إذ هو معربٌ، قد ظهر فيه عمل العامل، وأنه لا فرق بين » أنَّ « وبين » لَيْتَ « والإجماعُ على أن لا موضع لما دخلتْ عليه ] هذه ».


الصفحة التالية
Icon