قوله تعالى : واخْتَارَ مُوسَى. الآية، « اخْتَار » يتعدَّى لاثنين، لإى أوَّلهما بنفسه، وإلى ثانيهما بحرف الجرِّ، ويجوزُ حذفُهُ.
تقول : اخْتَرْتُ زيداً من الرِّجالِ ثم تتسع فتحذف « من » فتقولُ « زَيْداً الرِّجَالَ » قال :[ البسيط ]

٢٥٨٧ - اخْتَرْتُكَ النَّاسَ إذْ رَثَّتْ خلائِقُهُمْ واعْقَلَّ مَنْ كَانَ يُرْجَى عندهُ السُّؤلُ
وقال الرَّاعي :[ الطويل ]
٢٥٨٨ - فَقُلْتُ لَهُ اخْتَرْهَا قَلُوصاً سَمِينَةً وناباً علينا مِثْلَ نَابِكَ فِي الحَيَا
وقال الفرزدق :[ الطويل ]
٢٥٨٩ - مِنَّا الذي اخْتِير الرِّجالَ سَماحَةً وجُوداً إذَا هَبَّ الرِّيَاحُ الزَّعازعُ
وهذا النوعُ مقصورٌ على السَّماعِ، حصرهُ النحاة في ألفاظ، وهي :« اختار » و « أمَرَ ».
كقوله :[ البسيط ]
٢٥٩٠ - أمَرْتُكَ الخَيْرَ فافْعَلْ مَا أمِرْتَ بِهِ فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وذَا نَشَبِ
و « اسْتَغْفَرَ »، كقوله :[ البسيط ]
٢٥٩١ - سْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْباً لَسْتُ مُحْصِيَهُ رَبَّ العبادِ إليهِ الوَجْهُ والعملُ
و « سَمَّى » ؛ كقوله : سَمَّيْتُ ابني بِزَيْدٍ، وإن شِئْتَ : زَيْداً، و « دَعَا » بمعناه؛ قال :[ الطويل ]
٢٥٩٢ - دَعَتْنِي أخَاهَا أم عَمْرٍو، ولمْ أكُنْ أخَاهَا ولمْ أرْضَعْ لَهَا بِلَبَانِ
و « كَنَى » ؛ تقولُ : كَنَيْتُه بفلانٍ، وإن شئت : فلاناً.
و « صَدَقَ » قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ ﴾ [ آل عمران : ١٥٢ ]، و « زَوَّجَ » ؛ قال تعالى :﴿ زَوَّجْنَاكَهَا ﴾. ولم يزد أبُو حيَّان عليها.
ومنها أيضاً :« حدَّث » و « نَبَّأ » و « أخْبَرَ » و « خَبَّرَ » إذا لم تُضُمَّنْ معنى « أعْلَمَ ».
قال تعالى :﴿ مَنْ أَنبَأَكَ هذا ﴾ [ التحريم : ٣ ] ؛ وقال :﴿ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ ﴾ [ مريم : ٣ ].
وتقول حدَّثْتُكَ بكذا، وإن شئت : كذا؛ قال :[ الطويل ]
٢٥٩٣ - لَئِنْ كانَ مَا حُدِّثْتُهُ اليَوْمَ صَادِقَاً أصُمْ في نَهَارِ القَيْظِ للشَّمْسِ بَادِيَا
و « قومه » مفعولٌ ثانٍ على أوَّلِهِمَا، والتقديرُ : واختار موسى سبعين رجلاً من قومه، ونقل أبُو البقاءِ عن بعضهم أنَّ « قَومَهُ » مفعول أول، و « سَبْعِينَ » بدلٌ، أي : بدل بعض من كل، ثم قال :« وأرى أنَّ البدل جائزٌ على ضَعْفٍ، وأنَّ التقدير : سَبْعِينَ رجلاً منهم ».
قال شهابُ الدِّين : إنَّما كان ممتنعاً أو ضعيفاً؛ لأنَّ فيه حذف شيئين.
أحدهما : المختار منه؛ فإنَّهُ لا بُدَّ للاختيار من مختارٍ، ومختار منه، وعلى البدل إنَّما ذُكِر المختارُ دون المختار منه.
والثاني : أنَّه لا بُدَّ من رابط بين البدل والمبدل منه، وهو « مِنْهُمْ » كما قدره أبُو البقاء، وأيضاً فإنَّ البدل في نيَّةِ الطَّرح.
قال ابْنُ الخطيبِ : وعندي فيه وجه آخر وهو أن يكون التقدير : واختار موسى قومه لميقاتنا، وأراد ب « قَوْمَهُ » السبعين المعتبرين منهم؛ إطلاقاً لاسم الجنس على ما هو المقصود منه.


الصفحة التالية
Icon