« ذلك بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ »، لا يعلمون دين الله وتوحيده، فهم محتاجون إلى سماع كلام الله.
قال الحسنُ « هذه الآية محكمة إلى يوم القيامة ».

فصل


قالت المعتزلةُ : هذه الآية تدلُّ على أنَّ كلام اللهِ يسمعه الكافرُ، والمؤمنُ، والزنديقُ، والصديق والذي يسمعه جمهور الخلق؛ ليس إلاَّ هذه الحروف والأصوات، فدلَّ ذلك على أنَّ كلام اللهِ ليس إلاَّ هذه الحروف والأصوات، ثمَّ من المعلوم بالضرورة، أنَّ الحروف والأصوات لا تكون قديمة، لأنَّ تكلم الله بهذه الحروف، إمَّا أن يكون معاً، أو على الترتيب، فإن تكلَّم بها معاً لم يحصل منه هذا الكلام المنتظم؛ لأن الكلام لا يحصل مُنتظماً إلا عند دخول هذه الحروف في الوجودِ على التعاقب، فلو حصلت معاً، لما حصل الانتظام، فلم يحصل الكلام، وإن حصلت متعاقبةً؛ لزم أن ينقضي المتقدم، ويحدث المتأخر، وذلك يوجب الحدوث، فدلَّ هذا على أنَّ كلام الله مُحدثٌ - قالوا فإن قلتم : إنَّ كلام الله شيءٌ مغايرٌ لهذه الحروف والأصوات فهو باطلٌ؛ لأن الرسول - عليه الصَّلاة والسَّلام - ما كان يشير بقوله ﴿ كَلاَمَ الله ﴾ [ التوبة : ٦ ] إلا إلى هذه الحروف والأصوات.
وقال آخرون : ثبت بهذه الآية أنَّ كلام الله ليس إلاَّ هذه الحروف والأصوات، وثبت أن كلام الله قديمٌ، فوجب القولُ بقدم الحروف والأصوات.
وقال ابنُ فورك :« إنا إذا سمعنا هذه الحروف والأصوات، فقد سمعنا مع ذلك كلام الله تعالى ». وأنكروا عليه هذا القول؛ لأنَّ الكلام القديم، إمَّا أن يكون نفس هذه الحروف والأصوات، وإمَّا أن يكون شيئاً آخر مغايراً لها.
والأول قول الزجاج، وهو باطلٌ، لأنَّ ذلك لا يليقُ بالعقلاء.
والثاني باطلٌ، لأنَّا على هذا التقدير، لمَّا سمعنا هذه الحروف والأصوات، فقد سمعنا شيئاً آخر يخالفُ ماهيَّة هذه الحروف والأصوات لكنَّا نعلم بالضرورةِ أنا عند سماع هذه الحروف والأصوات لم نسمع شيئاً آخر سواها ولم يدرك سمعنا شيئاً مغايراً لها، فسقط هذا الكلام.
والجواب عن كلام المعتزلة : أن يقال هذا الذي نسمعه ليس عين كلام الله على مذهبكم؛ لأنَّ كلام الله، ليس الحروف والأصوات التي خلقها أولاً، بل تلك الحروف والأصوات انقضت، وهذه التي نسمعها حروف وأصوات فعلها الإنسان، فما ألزمتموه علينا فهو لازم عليكم.

فصل


قال الفقهاءُ : إذا دخل الكافر الحربي دار الإسلامِ، كان مَغْنُوماً مع ماله، إلاَّ أن يدخل مستجيراً لغرض شرعي، كاستماع كلام الله رجاء الإسلام، أو دخل لتجارة، فإن دخل بأمان صبي أو مجنون، فأمانهما شبهة أمان؛ فيجب تبليغه مأمنه، وهو أن يبلغ مَحْرُوساً في نفسه وماله إلى مكانه الذي هو مأمن له، ومن دخل منهم دار الإسلام رسُولاً، فالرسالة أمانٌ، ومن دخل ليأخذ مالاً له في دار الإسلام، ولماله أمان، فأمان ماله أمان له.


الصفحة التالية
Icon