فصل
[ إذا حارب الذميُّ انتقض عهده، وكان ماله وولده فيئاً معه ].
فصل
قال القرطبيُّ :« أكثر العلماء على أنَّ من سبَّ النبي ﷺ من أهل الذِّمة، أو عرَّض، أو استخفَّ بقدره، أو وصفه بغير الوجه الذي نعت به فإنه يقتل؛ لأنَّا لَمْ نُعْطِه الذِّمة أو العهد على هذا، لقوله تعالى :﴿ وَإِن نكثوا أَيْمَانَهُم ﴾ الآية، وقال أبو حنيفة والثوريُّ وأتباعهما من أهل الكوفة : لا يقتلُ، لأنَّ ما هو عليه من الشرك أعظم، ولكن يؤدَّب ».
فصل
قال القرطبي :« اختلفوا فيما إذا سبَّه ثم اسلم تقية من القتل، فقيل : يسقطُ القتل بإسلامه، وهو المشهور من المذاهب؛ لأن الإسلام يجُبُّ ما قبله. بخلاف المسلم إذا سبَّه ثم تاب، قال تعالى :﴿ قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ ﴾ [ الأنفال : ٣٨ ]. وقيل : لا يسقط الإسلام قتله، قاله في العتيبة ».
قوله تعالى :﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ ﴾ الآية.
اعلم أنَّه تعالى لمَّا قال في الآية الأولى :« ألاَ تُقاتِلُونَ » وذكر الأشياء التي توجبُ إقدامهم على القتالِ، ذكر في هذه الآية خمسة أنواع من الفوائد، كلُّ واحد منها يعظم موقعه إذا انفرد فكيف إذا اجتمعت؟.
أولها : قوله :﴿ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ ﴾ وسمى ذلك عذاباً؛ لأنَّ اللهَ تعالى يعذب الكافرين، إن شاءَ في الدُّنيا، وإن شاء في الآخرة، والمراد من هذا العذاب القتل تارةً، والأسر أخرى، واغتنام الأموال ثالثاً.
فإن قيل : أليس قد قال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ] فكيف قال ههنا :﴿ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ ﴾ ؟.
فالجواب : المراد من قوله ﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ] عذاب الاستئصال والمراد من قوله :﴿ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ ﴾ عذاب القتل والحرب، والفرق بين البابين : أنَّ عذابَ الاستئصال قد يتعدَّى إلى غير المذنب، وإن كان في حقه سبباً لمزيد الثواب، أمَّا عذابُ القتل، فالظَّاهر أنه مقصورٌ على المُذْنب.
فصل
احتج أهل السنة على أنَّ فعل العبد مخلوقٌ لله تعالى بقوله :﴿ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ ﴾ فإنَّ المراد من هذا العذاب، القتل والأسر، وظاهر هذا النص يدلُّ على أنَّ ذلك القتل والأسر فعل الله تعالى، يدخله في الوجود على أيدي العباد.
وأجاب الجبائيُّ عنه فقال : لو جاز أن يقال إنَّهُ يعذب الكُفَّار بأيدي المؤمنين لجاز أن يقال : إنه يعذب المؤمنين بأيدي الكُفار، ولجاز أن يقال : إنَّهُ يكذب الأنبياء على ألسنة الكُفَّار، ويلعن المؤمنين على ألسنتهم، لأنَّه تعالى خالق لذلك، فلمَّا لم يَجُزْ ذلك عند المجبرة، علم أنَّه تعالى لم يخلق أعمال العباد، وإنَّما نسب ما ذكر إلى نفسه على سبيل التوسع من حيثُ إنَّهُ حصل بأمره وألطافه، كما يضيف جميع الطاعات إليه بهذا التفسير.
وأجيب : بأنَّ الذي ألزمتموه علينا فالأمر كذلك، إلاَّ أنا لا نقوله باللِّسانِ، كما نعلم أنه تعالى هو الخالقُ لجميع الأجسام، ثم إنا لا نقول : يا خالق الأبوال والعذرات، ويا مكون الخنافس، والديدان، فكذا ههنا، وأيضاً : أنا توافقنا على أن الزِّنا واللِّواط وسائر القبائح، إنما حصلت بتقدير الله وتيسيره، ثمَّ لا يجوز أن يقال : يا مسهل الزنا واللواط، ويا دافع الموانع عنها.