ثم قال تعالى :﴿ وَعذَّبَ الذين كَفَرُواْ ﴾ والمرادُ من هذا التَّعذيب : قتلهم وأسرهم، وأخذ أموالهم وسبي ذراريهم.
وهذه الآية تدلُّ على أنَّ فعل العبد خلق لله تعالى؛ لأنَّ المراد من هذا التَّعذيب ليس إلا الأخذ والأسر، وقد نسب تلك الأشياء إلى نفسه.
قوله :﴿ وذلك جَزَآءُ الكافرين ﴾ تَمسَّك الحنفيَّةُ في مسألة الجلد مع التعزير بقوله ﴿ الزانية والزاني ﴾ [ النور : ٢ ] قالوا : الفاءُ تدلُّ على كون الجلد جزاء، والجزاء اسم للكافي، وكون الجلد كافياً يمنع كون غيره مشروعاً معه، وأجيبوا بأن الجزاء ليس اسماً للكافي؛ لأنه تعالى سمَّى هذا التعذيب جزاء مع أنَّ المسلمين أجمعوا على أنَّ العقوبة الدائمة في القيامة مُدَّخرة لهم، فدلت هذه الآية على أنَّ الجزاء ليس اسماً لما يقع به الكفاية.
قوله ﴿ ثُمَّ يَتُوبُ الله مِن بَعْدِ ذلك على مَن يَشَآءُ ﴾ أي : أنَّ الله تعالى مع كل ما جرى عليهم من الخذلان يتوب عليهم، بأن يزيل عن قلبهم الكفر، ويخلق فيه الإسلام، وقال القاضي : معناهُ : أنَّهُ بعد ما جرى عليهم ما جرى، إذا أسلمُوا وتابُوا فإنَّ الله يقبل توبتهم « وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّ قوله :» ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ « ظاهره يَدُلُّ على أنَّ تلك التبوة إنَّما تحصل لهم من قبله تعالى، وتقدَّم الكلامُ على المعنى في البقرة عند قوله ﴿ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾ [ البقرة : ٣٧ ] ثم قال :﴿ والله غَفُورٌ ﴾ أي : لمن تاب ﴿ رَّحِيمٌ ﴾ لِمَنْ آمن وعمل صالحاً.


الصفحة التالية
Icon