فصل
الكفار فريقان، منهم عبدة الأوثان وعبدة ما استحسنوا، فهؤلاء لا يقرَّون على دينهم بأخذ الجزية؛ ويجب قتالهم حتى يقولوا : لا إله إلاَّ الله، ويصيروا مؤمنين.
والثاني : أهل الكتاب وهم اليهودُ والنصارى؛ فهؤلاء يقرون بالجزية، والمجوسُ أيضاً سبيلهم سبيل أهل الكتاب، لقوله ﷺ :« سُنُّوا بِهمْ سُنَّة أهْلِ الكِتابِ »، وأخذه الجزية من مجوس هَجَرَ.
فصل
اتَّفَقَتْ الأمةُ على جواز أخذ الجزية من أهل الكتاب، وهم اليهودُ والنصارى إذا لم يكونوا عرباً، واختلفوا في أهل الكتابِ العرب وفي غير أهل الكتاب من كفار العجم؛ فذهب الشافعيُّ إلى أنَّ الجزية على الأديان لا على الأنساب، فتؤخذُ من أهل الكتاب عرباً كانوا أو عجماً، ولا يؤخذ من أهل الأوثان بحال؛ لأنَّ النبي - عليه الصَّلاة والسَّلام - أخذها من أَكَيْدِر دُومَةَ - وهو رجل من العرب يقال : غسان -، وأخذ من أهل دومة اليمنِ وعامتهم عرب؛ وذهب مالكٌ والأوزاعي إلى أنَّها تؤخذ من جميع الكُفَّارِ.
وقال أبُو حنيفة : تؤخذُ من أهل الكتابِ على العموم، وتؤخذُ من مشركي العجم، ولا تؤخذ من مشركي العربِ. وقال أبو يوسف : لا تؤخذُ من العربي كتابياً كان أو مشركاً وتؤخذ من العجمي كتابيّاً كان أو مشركاً، وأمَّا المجوس فاتفقت الصَّحابةُ على أخذ الجزية منهم؛ لقوله - ﷺ - :« سُنُّوا بِهمْ سُنَّةَ أهْلِ الكِتابِ ».
فصل
قال القاضي : قسم رسولُ الله ﷺ على كل محتلم ديناراً، وقسم عمر على الفقراء من أهل الذمة اثني عشر درهماً، وعلى الأوْساطِ أربعة وعشرين، وعلى أهل الثروة ثمانية وأربعين، ولمَّا بعث رسولُ الله ﷺ معاذاً إلى اليمن أمرهُ أن يأخذَ من كلِّ حالم ديناراً، أي : بالغ، ولم يفرِّق بين الغني والفقير والوسط، وذلك دليل على أنها لا تجب على الصبيان، وكذلك لا تجب على النساء، إنَّما تؤخذ من الأحرار البالغين العقلاء من الرجالِ.
فصل
تؤخذ الجزية عند أبي حنيفة في أوَّل السنة، وعند الشافعي وغيره في آخرها. وتسقط الجزية بالإسلام والموت عند أبي حنيفة وغيره لقوله ﷺ « لَيْسَ عَلى المُسلمِ جزيةٌ » وعند الشافعي - رضي الله عنه - لا تسقطُ.
فصل
قال بعضُ العلماءِ : هؤلاء إنَّما أقرُّوا على دينهم الباطل بأخذ الجزية حرمة لآبائهم الذين انقرضوا على الحق من شريعة التوراة والإنجيل، وأيضاً فكتابهم في أيديهم، فربَّما يتفكرون فيه فيعرفون صدق محمد ونبوته، فأمهلوا لهذا المعنى.
فصل
طعن ابنُ الراوندي في القرآن وقال : إنه ذكر في تعظيم كفر النصارى، قوله :﴿ تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً ﴾ [ مريم : ٩٠-٩١ ] فبيَّن أنَّ إظهارهم لهذا القولِ بلغ إلى هذا الحدِّ، ثم إنَّه أخذ منهم ديناراً واحداً وأقرهم عليه، وما منعهم منه.
والجواب : ليس المقصود من أخذ الجزية تقريره على الكُفرِ، بل المقصودُ حقن دمه وإمهاله مدَّة، رجاء أنه ربما وقف في هذه المدة على محاسنِ الإسلام وقوَّة دلائله؛ فينتقل من الكفر إلى الإيمان.