وقيل : منصوبٌ بقولٍ مضمر، وسيأتي بيانه.
و « يحمى » يجوزُ أن يكون من « حَمَتْيُ أوْ أحْمَيْتُ ثلاثياً ورباعياً، يقالُ : حَمَيْتُ الحديدة، وأحميتُهَا، أي : أوْقَدْتُ عليها، لِتَحْمَى، والفاعلُ المحذوفُ هو » النَّارُ « تقديره : يوم تُحْمَى النارُ عليها، فلما حذف الفاعل، ذهب علامةُ التأنيث، لذهابه كقولك : رُفِعَت القضية إلى الأمير، ثم تقول : رُفع إلى الأمير.
وقيل : لأنَّ تأنيثَ »
النَّار « مجازي، والفعل غيرُ مسند في الظَّاهر إليه، بل إلى قوله » عَلَيْهَا « فلهذا حسن التَّذكير والتأنيث.
وقيل : المعنى : يُحْمَى الوقود. وقرأ الحسنُ »
تُحْمَى « بالتَّاءِ من فوق، أي : النَّار، وهي تؤيد التأويل الأوَّل.
وقرأ أبو حيوة »
يُكْوى « بالياء من تحت؛ لأنَّ تأنيث الفاعل مجازيٌّ.
وقرأ الجمهور :»
جِباهُهُم « بالإظهارِ وقرأ أبو عمرو في بعض طرقه بالإدغام، كما أدغم ﴿ سَلَكَكُمْ ﴾ [ المدثر : ٤٢ ]، و ﴿ مَّنَاسِكَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٠٠ ]، ومثل » جِباهُهم «، ﴿ وُجُوهُهُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٠٦ ]، والمشهور الإظهار.
قوله :﴿ هذا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ ﴾ أي : جزاء ما كنتم؛ لأنَّ المكنوز لا يُذاق و »
ما « يجوزُ أن تكون بمعنى » الذي «، فالعائدُ محذوفٌ، وأن تكون مصدرية. وقرىء » تَكْنُزُون « بضم عين المضارع، وهما لغتان، يقال : كَنَزَ يَكْنِزُ، ويَكْنُزُ، ك : يقتل.

فصل


أصل الكنز في كلام العرب : الجمع، وكل شيء جمع بعضه إلى بعض فهو مكنوز. واختلف علماءُ الصحابة في المرادِ بهذا الكَنْزِ المذموم، فقال الأكثرون : هو المالُ الذي لم تؤد زكاته، قال عمرُ بنُ الخطَّابِ :»
ما أدِّي زكاته فليس بكنز وإن كن تحت سبع أرضين، وكلُّ ما لم تؤد زكاتُه فهو كنز وإن كان فوق الأرضين «. وقال ابنُ عبَّاسٍ في قوله :﴿ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله ﴾ يريد : الذين لا يؤدُّون زكاة أموالهم. وروى أبُو هرية قال : قال رسُول الله ﷺ :» مَا مِنْ صاحبِ ذهَبٍ ولا فضَّةٍ لا يُؤدِّي منْهَا حقَّها إلاَّ إذا كانَ يَوْمَ القيامةِ صُفِّحَتْ لهُ صَفَائِحُ من نارٍ فأحْمِيَ عليْها في نَارِ جهنَّم فيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وجَبِينُهُ وظهرُه كُلَّما بَردتْ أعيدتْ لهُ في يوْم كان مقدارُهُ خَمسينَ ألفَ سنةٍ حتَّى يُقْضَى بيْنَ العبادِ فَيَرَى سبيلهُ إمَّا إلى الجنَّةِ وإمَّا إلى النَّارِ «.
قال القاضي »
تخصيص هذا المعنى بمنع الزَّكاة لا سبيل إليه، بل الواجب أن يقال : الكنزُ : هو المال الذي ما أخرج عنه ما وجب إخراجه، ولا فرق بين الزكاة وبين ما يجب من الكفارات، وبين ما يلزم من نفقة الحج أو الجمعة، وبين ما يجبُ إخراجه في الديون والحقوق، والإنفاق على الأهل والعيال، وضمان المتلفات، وأروش الجنايات؛ فيجب دخول كل هذه الأقسام في هذا الوعيد «.


الصفحة التالية
Icon