قوله :﴿ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾ هذه الجملةُ يجوز أن تكون حالاً من مفعول « يَبْغُونكُمْ » أو من فاعله، وجاز ذلك؛ لأنَّ في الجملة ضميريهما. ويجوزُ أن تكون مستأنفةً، والمعنى : أنَّ فيكم من يسمع لهم، ويُصْغِي لقولهم.
فإن قيل : كيف يجوزُ ذلك على المؤمنين مع قوة دينهم؟
فالجوابُ : لا يمتنع لمنْ قرب عهده بالإسلام أن يؤثر قول المنافقين فيهم، أو يكون بعضهم مجبولاً على الجبن والفشل؛ فيؤثر قولهم فيهم، أو يكون بعض المسلمين من أقارب رؤساءِ المنافقين فينظرون إليهم بعض الإجلال والتَّعظيم؛ فلهذا الأسباب يؤثر قول المنافقين فيهم ويجوز أن يكون المراد : وفيكم جواسيس منهم، يسمعون لهم الأخبار منكم، فاللاَّمُ على الأوَّلِ للتقوية لكون العامل فرعاً، وفي الثاني للتعليل، أي : لأجلهم. ثم قال تعالى :﴿ والله عَلِيمٌ بالظالمين ﴾ الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم ونفاقهم، وظلموا غيرهم بسبب أنهم سعوا في إلقاء غيرهم في وجوه الآفات.
فصل
﴿ لَقَدِ ابتغوا الفتنة مِن قَبْلُ ﴾. أي : طلبُوا صد أصحابك عن الدِّين وردهم إلى الكُفْرِ، وتخذيل النَّاس عنكَ قبل هذا اليوم، كفِعْلِ عبد الله بن أبيّ يوم أحد حين انصرف عنك بأصحابه. وقال ابنُ جريج : هو أنَّ اثني عشر رجلاً من المنافقين، وقفوا على ثنية الوداع ليلة العقبة، ليفتكوا بالنبي ﷺ.
قوله :﴿ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأمور ﴾. قرأ مسلمة بن محارب « وقلبُوا » مخففاً. والمرادُ بتقليب الأمر : تصريفه وترديده، لأجل التدبر والتأمل فيه، أي : اجتهدوا في الحيلةِ والكيدِ لك يقال للرجل المتصرف في وجوه الحيل : فلان حُوَّلٌ قلبٌ، أي : يتقلب في وجوه الحيل.
ثم قال تعالى :﴿ حتى جَآءَ الحق ﴾ أي : النصرُ والظفرُ.
وقيل : القرآن. ﴿ وَظَهَرَ أَمْرُ الله ﴾ دين الله. ﴿ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ حالٌ، والرَّابط الواو؛ أي : كارهون لمجيء الحق ولظهور أمر الله.