وهذا كما تقدم في « تَحَيَّزَ » أنَّ أصله « تَحَيْوزَ »، وأمَّا إذا أخذناه من لغة من يقول : صَاب السَّهم يصيب، فهو من ذوات الياء فوزنه على هذه اللغة « فَعَّلط.
فصل
المعنى : قل لهم يا محمد ﴿ لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا ﴾ أي : علينا، وقدره في اللوح المحفوظ، أو يكون المعنى » لنْ يُصيبنَا إلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنَا « أي : في عاقبة أمرنا من الظفر بالعدو، والاستيلاء عليهم. وقال الزجاج : المعنى : إذا صرنا مغلوبين، صرنا مستحقين للأجر العظيم، والثَّواب الكثير، وإن صرنا غالبين، صرنا مستحقين للثواب في الآخرة وفزنا بالمال الكثير، والثناء الجميل في الدنيا والصحيح الأول.
ثم قال :» هُوَ مَوْلاَنَا « ناصرنا، وحافظنا. قال الكلبي » هو أوْلَى بنا من أنفسنا، في الحياة والموت «. ﴿ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون ﴾ وهذا كالتنبيه على أن حال المنافقين بالضد من ذلك، وأنهم لا يتوكلون إلا على الأسباب الدنيوية الفانية.
فصل
﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين ﴾ الآية.
هذا الجواب الثاني عن فرح المنافقين بمصائب المؤمنين، أي :» هَلْ تَربَّصُونَ «، أي : تنتظرون، » بنا « أيها المنافقون، ﴿ إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين ﴾ إمَّا النصر والغنيمة، فيحصل لنا الفوز بالأموال في الدنيا والنصر، والفوز بالثواب العظيم في الآخرة، وإمَّا الشهادة، فيحصل لنا الثواب العظيم في الآخرة.
قوله :﴿ إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين ﴾ مفعول » تربَّص «، فهو استثناء مفرغ. وقرأ ابن محيصنٍ :» إلاَّ احدى « بوصل ألف » إحدى « ؛ إجراءً لهمزة القطع مجرى همزة الوصل؛ فهو كقول الشاعر :[ الرجز ]
٢٧٩٤- إنْ لَمْ أقَاتِلْ فالبسُونِي بُرقَعَا... وقول الآخر :[ الكامل ]
قوله :﴿ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ ﴾ إحدى السوأتين إمَّا ﴿ أَن يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ ﴾ فيهلككم كما أهلك تلك الأمم الخالية، ﴿ أَوْ بِأَيْدِينَا ﴾ أي : بأيدي المؤمنين، إن أظهرتم ما في قلوبكم من النفاق، فيقع بكم القتلِ والنَّهب مع الخزي والذلّ، ومفعول : التربص » أَن يُصِيبَكُمُ « ثم قال :» فتربصوا « أي : إحدى الحالتين الشريفتين ﴿ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ ﴾ أي : مواعيد الله من إظهار دينه، واستئصال من خالفه، فقوله :» فتربصوا « وإن كان صيغة أمر، إلاَّ أنَّ المراد منه : التهديد، كقوله :﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم ﴾ [ الدخان : ٤٩ ].٢٧٩٥- يَا بَا المُغيرةَ رُبَّ أمْرٍ مُعْضِلٍ فرَّجْتهُ بالمكْرِ مِنِّي والدَّهَا
قوله تعالى :﴿ قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْها ﴾ الآية.
» طوعاً، أو كرهاً « مصدران في موضع الحال، أي : طائعين، أو كارهين. وقرأ الأخوان » كُرهاً « بالضَّمِّ، وقد تقدم تحقيقُ ذلك في النساء. وقال أبُو حيان هنا :» قرأ الأعمش وابن وثاب « كُرهاً » بضم الكاف «. وهذا يُوهم أنَّها لم تُقْرأ في السبعة. قال الزمخشري : هو أمرٌ في معنى الخبر، كقوله :