﴿ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا ﴾ [ يوسف : ١٧ ] وقوله ﴿ فَمَآ آمَنَ لموسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ ﴾ [ يونس : ٨٣ ] وقوله :﴿ أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون ﴾ [ الشعراء : ١١١ ] وقوله ﴿ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ ﴾ [ طه : ٧١ ].
وقال ابن قتيبة « هما زائدتان، والمعنى : يصدِّق الله، ويصدِّق المؤمنين » وهذا مردود؛ ويدلُّ على عدم الزيادةِ تغايرُ الحرف الزَّائد، فلو لم يُقصدْ معنًى مستقلٌ، لما غاير بين الحرفين.
وقال المبرد : هي متعلقةٌ بمصدرٍ مقدّر من الفعل، كأنَّه قال : وإيمانه للمؤمنين وقيل : يقال : آمنتُ لك، بمعنى : صدَّقتكَ، ومنه ﴿ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا ﴾ [ يوسف : ١٧ ]. قال شهابُ الدِّينِ وعندي أنَّ هذه اللاَّم في ضمنها « ما »، والمعنى : ويصدِّق للمؤمنين بما يُخبرونه به وقال أبُو البقاءِ : واللاَّم في للمؤمنين زائدةٌ، دخلت لتفرِّق بين « يُؤمن بمعنى : يُصدِّق، وبين » يؤمن « بمعنى : يثبت الإيمان وقوله :﴿ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ ﴾ فهذا أيضاً يوجبُ الخير به؛ لأنَّه يجري منكم على الظَّاهرِ، ولا يبالغ في التفتيش على بواطنكم، ولا يهتكُ أستاركم، فدلَّت هذه الأوصاف الثلاثة على وجوب كونه » أذُن خَيْرٍ « وقرأ الجمهورُ » ورَحْمَةٌ « رفعاً نسقاً على » أذُنُ « أي : وهو رحمة للذين آمنوا. وقال بعضهم : هو عطفٌ على » يُؤمن «، لأنَّ » يُؤمن « في محل رفع صفة ل :» أذُن «، تقديره : أذُن يؤمن ورحمة. وقرأ حمزة والأعمش » ورحمةٍ « بالجر نسقاً على » خيرٍ « المخفوض بإضافة » أذُنُ « إليه، والجملةُ على هذه القراءة معترضةٌ بين المتعاطفين، تقديره : أذُنُ خيرٍ ورحمةٍ. وقرأ ابنُ أبي عبلةٍ :» ورَحْمَةٌ « نصباً على أنَّه مفعول من أجله، والمعلل محذوف، أي : يأذن لكم رحمةً بكم، فحذف لدلالة قوله :﴿ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ ﴾.
فإن قيل : كل رحمة خير، فأي فائدة في ذكر الرحمة عقيب ذِكْر الخير؟
[ فالجواب : إنَّ أشرف أقسام الخير هو الرحمة، فجاز ذكر الرحمة عقيب ذكر الخير ] كقوله :﴿ وملاائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ﴾ [ البقرة : ٩٨ ]. ولمَّا بيَّن كونه سبباً للخير والرحمة، بيَّن أنَّ كلَّ من آذاه استوجب العذاب الأليم لأنَّه يسعى في إيصال الخير والرحمة إليهم وهو يقابلون إحسانه بالإساءة، وخيره بالشَّر؛ فلذلك استوجبوا العذاب الأليم.
قوله تعالى :﴿ يَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ ﴾ الآية.
وهذا نوع آخر من قبائح أفعال المنافقين، وهو إقدامهم على الأيمان الكاذبة، قال قتادةُ والسديُّ : اجتمع ناس من المنافقين، فيهم الجلاس بنُ سويدٍ، ووديعة بنُ ثابت فوقعوا في النبي ﷺ وقالوا : إن كان ما يقول محمد حقاً فنحن شرٌّ من الحمير، وكان عندهم غلام من الأنصار، يقال له : عامر بن قيس، فحقَّروه، وقالوا هذه المقالة، فغضب الغلامُ وقال : والله إنَّ ما يقول محمد حق، وأنتم شرٌّ من الحمير ثم أتَى النبي ﷺ فأخبره فدعاهم، فسألهم؛ فحلفوا أنَّ عامراً كذَّاب وحلف عامر أنهم كذبة، فصدقهم النبيُّ ﷺ فجعل عامرٍ يدعو ويقول اللَّهُمَّ صدق الصَّادق وكذب الكاذب، فأنزل اللهُ هذه الآية.