« إنَّ الله مَنَعنِي أن أقبلَ مِنْكَ صدقَتكَ » فجعل يَحثُو التُّرابَ على رأسِهِ، فقال رسول الله ﷺ :« قد أمرتُك فلمْ تُطِعْنِي » ؛ فرجع إلى منزله، وقبض رسول الله ﷺ ثم أتى أبا بكر بصدقته؛ فلم يقبلها اقتداء بالرسول - ﷺ - فقبض أبو بكر، ثم لم يقبلها عمر اقتداء بأبي بكر، ثمَّ لم يقبلها عثمان، وهلك ثعلبةُ في خلافه عثمان.
وقال ابنُ عباسٍ، وسعيدُ بن جبير، وقتادةُ : أتى ثعلبة مشهداً من الأنصار؛ فأشهدهم لئن آتاني الله من فضله آتيت كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، وتصدقت منه، ووصلت منه القرابة، فمات ابن عمٍّ له، فورث منه مالاً، فلم يف بما قال؛ فأنزل الله هذه الآية.
وقال الحسن ومجاهدٌ : نزلت في ثعلبةَ بن حاطبٍ، ومعتب بن قشير، وهما من بني عمرو بن عوف قد جاءا على ملأ قعوداً وقالا : والله لئن رزقنا الله لنصدقنَّ، فلما رزقهما بخلا به. والمشهورُ الأول.
فإن قيل : إنَّ الله أمره بإخراج الصَّدقة؛ فكيف يجوزُ للرسول أن لا يقبلها منه؟.
فالجواب : لا يبعد أن يقال : إنَّ الله تعالى منع الرسول - ﷺ - من قبول الصدقة منه إهانة له ليعتبر غيره؛ فلا يمتنع عن أداء الصدقات، أو أنَّه أتى بتلك الصدقة على وجه الرياء، لا على وجه الإخلاص، وأعلم الله الرسول بذلك؛ فلذلك لم يقبل تلك الصدقة، ويحتمل أيضاً أن الله تعالى لما قال :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ﴾ [ التوبة : ١٠٣ ] كان هذا غير حاصل في ثعلبة مع نفاقه؛ فلهذا امتنع الرَّسولُ - عليه الصلاو والسلام - من أخذ تلك الصَّدقةِ.
فإن قيل : المنافق كافرٌ، والكافر لا يمكنه أن يعاهد الله.