الثالث : أن يكون محلُّه نصباً على الاشتغال، بإضمار فعل يُفسِّره « سَخِرَ اللهُ منهُم » من طريق المعنى، نحو : عاب الذين يلمزُون، سخر الله منهم.
الرابع : أنْ ينصب على الشتم.
الخامس : أن يكون مجروراً بدلاً من الضمير في « سِرَّهُم ونجْواهُمْ ».
وقرئ « يلْمُزون » بضم الميم، وقد تقدَّم أنَّها لغة، وقرأ الجمهور « جُهْدَهم » بضمِّ الجيمِ.
وقرأ ابنُ هرمز وجماعة « جَهْدهم » بالفتح. فقيل : لغتان بمعنى واحد. وقيل المفتوحُ المشقَّةُ والمضمومُ : الطَّاقةُ، قالهُ القتيبيُّ، وقيل : المضمومُ شيءٌ قيلٌ يعاشُ به والمفتوحُ : العملُ.
وقوله :﴿ سَخِرَ الله مِنْهُمْ ﴾ يحتملُ أن يكون خبراً محضاً، وأن يكون دعاءً.

فصل


اعلم أنَّ هذا نوع آخر من أعمالهم القبيحة، وهو لمزهم من يأتي بالصَّدقاتِ.
قال المفسِّرون : حثَّ رسولُ الله ﷺ على الصَّدقةِ؛ فجاء عبدُ الرحمن بنُ عوفٍ بأربعة آلافِ درهم، فقال : يا رسول الله، مالي ثمانية آلاف درهم، جئتك بأربعة آلاف فاجعلها في سبيل الله، وأمسكتُ أربعة آلاف لعيالي.
فقال رسُول الله ﷺ :« بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيمَا أعْطيْتَ، وفيمَا أمْسَكْتَ » فبارك اللهُ في مال عبدالرحمن، حتَّى إنَّهُ خلف امرأتين يوم أن مات؛ فبلغ ثمنُ ماله لهما مائة وستون ألفاً وتصدق يومئذ عاصمُ بن عدي العجلاني بمائة وسْقٍ من تمر.
وجاء أبُو عقيلٍ الأنصاري واسمه الحبحاب، بصاعٍ من تمرٍ، وقال : يا رسُول الله بتُّ ليلتي أجر بالجرير حتى نلتُ صاعين من تمرٍ؛ فأمسكتُ أحدهما لعيالي، وجئتُ بالآخر؛ فأمره رسول الله ﷺ أن ينثره على الصَّدقاتِ؛ فلمزهم المنافقُون، وقالوا : ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلاَّ رياءً، وإن كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبي عقيل ولكنَّهُ أحب أن يزكي نفسه ليعطى من الصَّدقات؛ فأنزل الله تعالى :« الَّذِينَ يلْمِزُون » أي : يعيبون المطوعين المتبرعين من المؤمنين في الصدقات، يعني : عبد الرحمن بن عوف وعاصماً، ﴿ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ ﴾ أي : طاقتهم.
والجُهْدُ : شيء قليلٌ يعيش به المقلُّ، والجهد بالفتح، والجُهْد بالضمِّ بمعنى واحد يعني : أبا عقيل :« فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ » يستهزئون منهم، ﴿ سَخِرَ الله مِنْهُمْ ﴾ أي : جازاهم على السخرية، وقال الأصمُّ : المرادُ أنه تعالى قبل من هؤلاء المنافقين ما أظهروهُ من أعمال البرِّ مع أنَّهُ لا يثيبهم عليها؛ فكان ذلك كالسخرية، ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
قوله تعالى :﴿ استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ الآية.
قال ابنُ عبَّاسٍ : إنَّ عند نزول الآية في المنافقين، قالوا : يا رسول الله، استغفر لنا، فقال رسول الله ﷺ :« سأسْتغفرُ لَكُمْ » ؛ فنزل قوله تعالى :﴿ استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ قد تقدَّم الكلام على هذا عند قوله :﴿ قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ ﴾ [ التوبة : ٥٣ ] ؛ وأنَّهُ نظيرُ قوله :[ الطويل ]


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
٢٨١٨- أسِيئِي بِنَا أوْ أحْسِني لا مُسِيئةٌ لدَينَا ولا مقليَّةٌ إنْ تقَلَّتِ