ق :« لأنَّ الإله » في موضع رفع بالابتداء، وإلاَّ هُوَ بدلٌ على الموضع.
قال : والجملةُ أيضاً في موضع الحال من اسم اللَّهِ. ويعني بالجملةِ قوله :﴿ لاا إله إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ ويعني باسم الله، أي : الضَّمير في لهُ مُلْكُ أي استقرَّ له الملك في حال انفراده بالإلهيَّةِ.
وقال أبُو حيَّان : والأحْسَنُ أن تكون هذه جملاً مستقلة من حيث الإعراب، وإن كان متعلقاً بعضها ببعضٍ من حيث المعنى.
وقال في غعراب الحوفي المتقدم إنَّهُ متكلَّفٌ.
قوله :﴿ فَآمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ ﴾.

فصل


اعلم أنَّ الإيمان بالله أصل، والإيمان بالنبوَّةِ والرسالة فرع عليه، والأصلُ يجب تقديمه فلهذا بدأ بقوله : فأمِنُوا باللَّهِ ثم أتبعه بقوله :﴿ وَرَسُولِهِ النبي الأمي الذي يُؤْمِنُ بالله وَكَلِمَاتِهِ ﴾ وهذا إشارة إلى ذِكْرِ المعجزاتِ الدالَّة على كونه نبيّاً حقاً؛ لأنَّ معجزاته ﷺ كانت على نوعين.
الأول : المعجزاتُ التي ظهرت في ذاته المباركة وهو كونه أمِّياً، وقد تقدم الكلامُ على كون هذه الصِّفَةِ معجزة.
الثانيك المعجزات الَّتي ظهرت من خارج ذاته مثل انشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابعه، وحنين الجذع ونحوها، وهي تسمى بكلمات الله، لأنَّهَا أمورٌ عظيمة. ألا ترى أن عيسى - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - لمّضا كان حدوثُه أمراً عظيماً غريباً مخالفاً للعادة، سمَّاهُ اللَّهُ كلمة، فكذلك المعجزات لمَّا كانت أموراً غريبة خارقة للعادة لم يبعُد تسميتُها كلمات، وهذا هو المُرادُ بقوله :﴿ يُؤْمِنُ بالله وَكَلِمَاتِهِ ﴾.
وقرأ مجاهدٌ وعيسى وكلمته بالتَّوحيد، والمرادُ بها الجِنسُ كقوله - عليه الصَّلاة والسَّلامُ - :« أصْدَقُ كلمةٍ قالها شاعرٌ كلمةُ لبيدٍ » ويسمُّون القصيدة كلها كلمةً، وقد تقدَّم.
قال الزمشريُّ : فإن قلت : هَلاَّ قيل : فآمنوا باللَّه وبِي، بعد قوله ﴿ يُؤْمِنُ بالله وَكَلِمَاتِهِ ﴾ ؟.
قلت : عدل عن الضمير، إلى الاسم الظاهر، لتَجْرِي عليه الصفاتُ التي أُجْرِيَتْ عليه، ولِمَا في طريق الالتفات من البلاغةِ، وليُعْلِم أنَّ الذي يجبُ الإيمانُ به واتِّباعهُ، هو هذا الشخص المستقل بأنه النَّبيُّ الأميُّ الذي يؤمنُ بالله وكلماته، كائناً من كان، أنا أو غيري إظهاراً للنَّصَفة، وتفادياً من العصبية لنفسه.
قوله : واتبعوه لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }.
وهذا الأمرُ يدلُّ على وجوب متابعةِ الرَّسول عليه الصَّلاةُ والسَّلام في كلِّ ما يأتي به قولاً كان أو فعلاً أو تركاً إلا ما خصه الدَّليل.

فصل


فإن قيل : إذا أتى الرَّسسول بشيء فيحتمل أنه أتى به على سبيل الوُجوبِ، ويحتمل الندب فعلى سبيل أنه أتى مندوباً، فلو أتينا به على أنَّه واجب علينا، كان ذلك تركاً لمتابعته والآية تدلُّ على وجوب المتابعةِ، فثبت أنَّ فعل الرَّسُولِ لا يدُلُّ على الوجوب علينا.
فالجوابُ : أنَّ المتابعةَ في الفعل عبارة عن الإتيان بمثل الفعل الذي أتى به المتبوع؛ لأنَّ من أتى بفعل ثم إنَّ غيرهُ وافقه في ذلك الفعل، قيل : إنَّهُ تابعهُ عليه، ولوْ لَمْ يأتِ به، قيل : إنه خالفه، وإن كان كذلك، ودلَّت الآية على وجوب المتابعة؛ لزم أن يجب على الأمة متابعته.


الصفحة التالية
Icon