﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ ﴾ [ مريم : ٢٨ ]. قال أبُو حيَّان « وقد حكي بالضَّمِّ » ؛ وأنشد الأخفشُ :[ الطويل ]
٢٨٣٨- وكُنْتَ كَذِئْبِ السُّوءِ لمَّا رَأى دَماً | بِصَاحبهِ يَوْماً أحَالَ عَلى الدَّمِ |
أظهرهما : أنها صفةٌ على فاعلة، ك « قائمة ». وقال الفارسيُّ :« يجوز أن تكون مصدراً كالعافية، ولو لم تضف الدائرة إلى السوء، أو السوء لما عرف منها معنى السُّوء؛ لأنَّ دائرة الدَّهر لا تستعملُ إلاَّ في المكروهِ، والمعنى : يدور عليهم البلاءُ والحزنُ، فلا يرون في محمد، ودينه إلاَّ ما يَسُوؤهم ». ثم قال :﴿ والله سَمِيعٌ ﴾ لقولهم، ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بنيَّاتهم.
قوله تعالى :﴿ وَمِنَ الأعراب مَن يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر ﴾ الآية.
لمَّا بيَّن أنَّ في الأعرابِ من يتخذ إنفاقه في سبيل الله مَغْرَماً، بيَّن هنا أنَّ منهم أيضاً من يؤمن بالله واليوم الآخر. قال مجاهدٌ : هم بنو مقرن من مزينة. وقال الكلبيُّ هم أسلم، وغفار، وجهينة. وروى أبو هريرة قال : قال رسُول الله ﷺ :« لأسْلمُ وغفارٌ، وشيءٌ مِنْ مُزَيْنَة وجُهَيْنةَ، خَيْرٌ عِنْدَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ، مِنْ أسَدٍ وغطفان وهوَازنَ وتَميمٍ ».
قوله :﴿ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ ﴾ ف « قُرُباتٍ » مفعولٌ ثانٍ ل « يتَّخذَ » كما مرَّ في ﴿ مَغْرَماً ﴾ [ التوبة : ٩٨ ] ولم يختلف قُرَّاء السبعة في ضمِّ الرَّاء من « قُربَات »، مع اختلافهم في راء « قُرْبة » كما سيأتي، فيحتملُ أن تكون هذه جمعاً ل « قُرْبة » بالضَّم، كما هي قراءة ورشٍ عن نافعٍ، ويحتملُ أن تكون جمعاً للساكنها، وإنَّما ضُمَّت إتباعاً، ك « غُرُفَات »، وقد تقدَّم التَّنبيه على هذه القاعدة، وشروطها عند قوله :﴿ فِي ظُلُمَاتٍ ﴾ [ البقرة : ١٧ ] أول البقرة.
قال الزجاجُ : يجوزُ في « القُرُبَات » أوجه ثلاثة، ضم الراء، وإسكانها، وفتحها.
والمعنى : أنَّهم يتخذون ما ينفقونه سبباً لحصول القربات عند اللهِ.
قوله :« عِندَ الله » في هذا الظرف ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنَّه متعلقٌ ب « يتَّخذ » والثاني : أنَّهُ ظرف ل « قُرُبات »، قاله أبو البقاءِ. وليس بذلك.
الثالث : أنه متعلقٌ بمحذُوفٍ، لأنَّه صفةٌ ل « قربات ». قوله :﴿ وَصَلَوَاتِ الرسول ﴾ فيها وجهان :
أظهرهما : أنَّها نسق على « قُربات »، وهو ظاهرُ كلام الزمخشري، فإنَّه قال :« والمعنى أنَّ ما ينفقه سببٌ لحصول القربات عند اللهِ وصلوات الرسول، لأنَّهُ كان يدعو للمتصدِّقين بالخيرِ، كقوله :» اللَّهُمَّ صلِّ على ألِ أبِي أوْفَى « والثاني - وجوَّزهُ ابنُ عطية ولم يذكر أبُو البقاءِ غيره - : أنها منسوقةٌ على » ما يُنفقُ «، أي : ويتَّخذ بالأعمال الصَّالحة صلوات الرسول قربة.
قوله :﴿ ألاا إِنَّهَا قُرْبَةٌ ﴾ الضمير في » إنَّها « قيل : عائدٌ على » صَلواتِ «.