﴿ أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ ﴾ [ هود : ٨٧ ] بالتَّوحيد - والباقون « إنَّ صلواتك » «، » أصَلواتُك « بالجمع فيهما، وهما واضحتان، إلاَّ أنَّ الصلاة هنا : الدُّعاء، وفي تيكَ : العبادة. قال أبو عبيدٍ : وقراءة الإفراد أوْلَى؛ لأنَّ الصَّلاة أكثر، قال تعالى :﴿ وَأَقِيمُواْ الصلاة ﴾ [ البقرة : ٤٣ ] والصلواتُ جمع قلَّة، تقول : ثلاث صلوات، وخمس صلوات.
قال أبو حاتم : وهذا غلطٌ، لأنَّ بناء الصلوات ليس للقلة، قال تعالى :﴿ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله ﴾ [ لقمان : ٢٧ ] ولم يرد التَّقليل، وقال :﴿ وَهُمْ فِي الغرفات ﴾ [ سبأ : ٣٧ ]، وقال ﴿ إِنَّ المسلمين والمسلمات ﴾ [ الأحزاب : ٣٥ ]. والسَّكَنُ : الطمأنينة. وقال ابنُ عبَّاسٍ : رحمة لهم. وقال أبو عبيدة : تَثْبِيتاً لقلوبهم؛ ومن الطمأنينة قوله :[ البسيط ]

٢٨٤٤- يا جَارَة الحَيِّ ألاَّ كُنْتِ لِي سَكَناً إِذْ لَيْسَ بعضٌ مِنَ الجيرانِ أسْكننِي
ف » فَعَل « بمعنى » مفعول «، كالقبض بمعنى : المقبوض، والمعنى : يَسْكُنون إليها.
قال أبُو البقاءِ :»
ولذلِكَ لمْ يُؤنِّثْهُ «. لكن الظَّاهر أنَّهُ هنا بمعنى » فاعل «، لقوله :» لهم «. ولو كان كما قال لكان التَّركيب » سكنٌ إليها « أي : مَسْكُون إليها، فقد ظهر أنَّ المعنى : مُسَكِّنة لهم.

فصل


قال ابنُ عبَّاسٍ : معنى الصَّلاةِ عليهم : أن يدعو لهم. وقال آخرون : معناه أن يقول لهم اللَّهُمَّ صلِّ على فلان، ونقل عن النبي ﷺ، أنَّ آل أبي أوفى لمَّا أتوه بالصَّدقة قال :»
اللَّهُمَّ صلِّ على آلِ أبِي أوْفَى «.
واختلفوا في وجوب الدُّعاء من الإمام عند أخذ الصدقة، قال بعضهم : يجبُ. وقال بعضهم : يستحبُّ. وقال بعضهم : يجب في صدقة الفرضِ، ويستحب في التَّطوع. وقيل : يجب على الإمام، ويستحب للفقير أن يدعو للمعطي. ثم قال :﴿ والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾.
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ يعلموا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ ﴾ الآية.
لمَّا قال في الآية الأولى ﴿ عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾ [ التوبة : ١٠٢ ] ولمْ يُصرِّح في قبول توبتهم، صرَّح في هذه الآيةِ بأنه يقبلُ التَّوبةَ عن عباده، وأنَّهُ يأخذُ الصَّدقات، أي : يقبلها. قال أبُو مسلمٍ قوله :»
أَلَمْ يعلموا « وإن كان بصيغة الاستفهام، إلاَّ أنَّ المقصود منه التقدير في النَّفس، ومن عادة العرب في إفهام المخاطب، وإزالة الشَّك عنه أن يقولوا : أما علمتَ أنَّ من علَّمكَ يجبُ عليك خدمته، أما علمت أنَّ من أحسن إليك يجبُ عليك شكره، فبشَّر اللهُ هؤلاء التَّائبين بقبول توبتهم وصدقاتهم. ثم زاده تأكيداً بقوله :﴿ هُوَ التواب الرحيم ﴾.
وقرأ الحسن بخلاف عنه »
ألَمْ تعْلمُوا « قال أبُو حيَّان :» وفي مصحف أبَيّ « ألَمْ تَعْلمُوا » بالخطاب، وفيه احتمالات، أحدها : أن يكون خطاباً للمتخلِّفين الذين قالوا : ما هذه الخاصّيّة التي اختصّ بها هؤلاء؟ وأن يكون التفاتاً من غير إضمارِ قولٍ، والمرادُ : التَّائبون، وأن يكون على إضمار قولٍ، أي : قل لهم يا محمد : ألمْ تعلمُوا «.


الصفحة التالية
Icon