قوله :« مِنْ قبلُ » فيه وجهان :
أحدهما - وهو الذي لم يذكر الزمخشريُّ غيره - : أنَّهُ متعلقٌ بقوله :« اتَّخَذُوا »، أي : اتَّخذُوا مسجداً من قبل أن ينافق هؤلاء.
والثاني : أنه متعلقٌ ب « حَاربَ »، أي : حارب من قبل اتِّخاذ هذا المسجد.
قوله :﴿ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا ﴾ « ليَحْلفُنَّ » جوابُ قسم مقدر، أي : والله ليحْلِفنَّ. وقوله « إنْ أردْنَا » جوابٌ لقوله :« ليَحْلِفُنَّ » فوقع جوابُ القسم المقدر فعل قسم مجاب بقوله « إنْ أرَدْنَا ». و « إنْ » نافية، ولذلك وقع بعدها « إلاَّ ». و « الحُسْنَى » صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ، أي : إلاَّ الخصلة الحسنى، أو إلاَّ الإرادة الحسنى. وقال الزمخشريُّ « مَا أرَدْنَا ببناء هذا المسجد إلاَّ الخصلة الحسنى، أو إلا الإرادة الحسنى، وهي الصلاةُ ». قال أبو حيَّان كأنَّه في قوله :« إلاَّ الخَصْلةِ الحسْنَى » جعله مفعولاً، وفي قوله :« أو إلاَّ الإرادة الحسنى » علةً؛ فكأنه ضمَّن « أرادَ » معنى « قَصَدَ »، أي : ما قصدوا ببنائه لشيء من الأشياء إلاَّ الإرادة الحسنى. قال « وهذا وجهُ متكلف » وأرادوا بالفعلة الحسنى : الرفق بالمسلمين، والتوسعة على أهل الضعف، والعلة، والعجز عن المصير إلى مسجد رسُول الله ﷺ ؛ لأنَّهم قالوا لرسُول الله : إنَّا بَنينا مسجداً لذي العلَّةِ والحاجة واللَّيلة المطيرة. ثم قال تعالى :﴿ والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ أي : أنَّ الله أطلعَ الرَّسُول - ﷺ - على أنَّهم حلفُوا كاذبين.
روي أنه لمّا انصرفَ رسولُ الله ﷺ من تبوك؛ فنزل بذي أوان موضع قريب من المدينةِ، أتوهُ فسألوهُ إتيان مسجدهم، فدعا بقميصه ليلبسه، ويأتيهم، فنزل القرآن عليه وأخبره خبر مسجد الضرار، وما همُّوا به، فدعا رسول الله ﷺ مالك بن الدخشم، ومعن بن عديّ، وعامر بن السكن، والوحشي قاتل حمزة، وقال لهم :« انْطلقُوا إلى هذا المَسْجدِ الظَّالم أهلُه فاهدمُوهُ وأحْرِقُوهُ » فخرجوا مسرعين حتَّى أتوا سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم فقال مالك : أنظروني حتى أخرج إليكم بنار من أهلي، فدخل أهلهُ فأخذ سعفاً من النخل، فأشعل فيه ناراً، ثم خرجوا يشتدون حتى دخلوا المسجد، وفيه أهله فحرقوه وهدموهُ، وتفرَّق عنه أهله، وأمر النبي ﷺ أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيه الجيف، والنتن، والقمامة، ومات أبُو عامرٍ الرَّاهب بالشَّام وحيداً غريباً.


الصفحة التالية
Icon