يعنون أنه اسم جنسٍ، ك : قمح وقمحة.
قوله :« على تقوى » يجوزُ فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلقٌ بنفس « أسَّسَ » فهو مفعول في المعنى.
والثاني : أنَّه متعلقٌ بمحذوفٍ على أنَّهُ حالٌ من الضَّميرِ المستكن في « أسَّسَ » أي : قاصداً بنيانه التقوى، كذا قدَّره أبُو البقاءِ.
وقرأ عيسى بن عمر « تَقْوًى » منونة. وحكى هذه القراءة سيبويه، ولم يرتضها الناسُ لأنَّ الفها للتأنيث، فلا وجهَ لتنوينها، وقد خرَّجها الناسُ على أن تكون ألفها للإلحاق.
قال ابنُ جني : قياسُها أن تكون ألفها للإلحاق، ك « أرْطَى ». قوله :« خَيْرٌ » خبر المبتدأ. والتفضيل هنا باعتبار معتقدهم. و « أمْ » متصلة، و « مِنْ » الثانية عطف على « مِنْ » الأولى، و « أسَّسَ بُنْيانَهُ » كالأولى، قوله :« على شَفَا جُرُفٍ » كقوله :« على تقوى » في وجهيه. والشَّفا : الشَّفير، وشفا الشيء حرفه، يقال : أشْفَى على كذا إذا دنا منه. وتقدَّم الكلامُ عليه في آل عمران. وقرأ حمزة، وابنُ عامرٍ، وأبو بكر عن عاصم « جُرْفٍ » بسكون الرَّاءِ والباقون بضمها. فقيل : لغتان. وقيل : السَّاكن فرعٌ على المضموم، ك :« عُنْق » في « عُنُق » و « طُنْب » في « طُنُب ». وقيل : العكس ك :« عُسُر ويُسُر ». و « الجُرْف » البئر التي لم تُطْوَ. وقيل : هو الهُوَّةُ، وما يَجْرفُه السَّيْلُ من الأودية، قاله أبُو عبيدة.
وقيل : هو المكان الذي يأكلهُ الماء، فيجْرفه، أي : يذهب به، ورجُلٌ جراف، أي : كثير النكاح كأنَّه يجرفُ في ذلك العملِ، قاله الراغبُ.
قوله :« هَارٍ » نعت ل :« جُرُفٍ »، وفيه ثلاثة أقوال :
أحدها - وهو المشهورُ - : أنَّهُ مقلوبٌ بتقديم لامه على عينه، وذلك أنَّ أصله : هاورٌ، أو هايرٌ بالواو والياء؛ لأنه سمع فيه الحرفان قالوا : هَارَ يَهُور فانهارَ، وهَارَ يَهير، وتهَوَّر البناءُ، وتهَيَّر فقُدِّمت اللام، وهي « الراء » على العين - وهي « الواو » أو « الياء » - فصار ك : غازٍ، ورامٍ، فأعلَّ بالنقص كإعلالهما، فوزنه بعد القلب :« فَالِع »، ثم تزنُه بعد الحذف ب « فَالٍ ».
الثاني : أنه حذفت عينه اعتباطاً، أي : لغير موجبٍ، وعلى هذا، فيجري بوجوه الإعراب على لامه، فيقال : هذا هارٌ، ورأيت هاراً، ومررتُ بهارٍ، ووزنه أيضاً « فال ».
والثالث : أنَّهُ لا قلب فيه ولا حذف، وأنَّ أصله « هَوِر »، أو « هَيِر » بزنة « كَتِف »، فتحرك حرف العلة، وانفتح ما قبله، فقُلِب ألفاً، فصار مثل قولهم : كبشٌ صافٌ. أي : صَوِف، ويومٌ راحٌ، أي : روحٌ. وعلى هذا، فيجري بوجوه الإعراب أيضاً كالذي قبله، كما تقولُ : هذا بابٌ ورأيتُ باباً، ومررت ببابٍ.