وعلى كلا التَّقديرين فيتعلقُ بمحذوف. والذي ينبغي أن يقال : إنَّ « مِن كُلِّ فرقةٍ » حال من « طَائفَةٌ » و « مِنْهُم » صفة ل « فِرْقَةٍ ». ويجوزُ أن يكون « مِن كُلِّ » متعلقاً ب « نفر ». وفي الضمير من قوله « لتفَقَّهُوا » قولان :
أحدهما : أنَّهُ للطَّائفة النَّافرة.
والثاني : للطائفة القاعدة، والضَّمير في « رَجَعُوا » عائدٌ على النَّافرة. قال ابنُ العربي، والقاضي أبو بكرٍ، والشيخُ أبو الحسن :« إنَّ الطَّائفة ههنا واحد، ويقضون على وجوب العملِ بخبر الواحد، وهو صحيح، لا من جهة أن الطائفة تطلق على الواحد ولكن من جهة أنَّ خبر الشخص الواحد أو الأشخاص خبر واحد، وأنَّ مقابله وهو التَّواتر لا ينحصر ».
قال القرطبي :« أنص ما يستدل به على أنَّ الواحد يقال له : طائفة قوله تعالى :﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا ﴾ [ الحجرات : ٩ ] أي : نفسين، بدليل قوله :﴿ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾ [ الحجرات : ١٠ ] فجاء بلفظ التثنية، وأما الضمير في :» اقْتَتلُوا « وإن كان ضمير جماعة فأقل الجماعة اثنان في أحد القولين ».
فصل
دلَّت هذه الآيةُ على أنَّ خبر الواحد حجة، وأنَّ كلَّ ثلاثة فرقة، وقد أوجب الله تعالى أن يخرج من كلِّ فرقة طائفة، والخارج من الثلاثة يكون اثنين، أو واحداً؛ فوجب أن تكون الطائفة إمَّا اثنين أو واحداً، ثم إنه تعالى أوجب العمل بأخبارهم، لقوله « وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ » وهو عبارة عن أخبارهم. وقوله « لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ » إيجاب على قومهم أن يعملوا بأخبارهم، وذلك يقتضي أن يكون خبر الواحد أو الاثنين حجة في الشرع.
قال القاضي :« لا تدل الآية على وجوب العمل بخبر الواحد؛ لأنَّ الطائفة قد تكونُ جماعة يقع بخبرها الحجة؛ ولأنَّ قوله :» وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ « يصجُّ وإن لم يجب القبول، كما أنَّ الشَّاهدَ الواحد يلزمه الشهادة، وإن لم يلزم القبول؛ ولأن الإنذار يتضمَّنُ التخويف، وهذا العذرُ لا يقتضي وجوب العمل به ».
والجوابُ : أنَّا بينَّا أنَّ كل ثلاثة فرقة، وقد أوجب الله أن يخرج من كل فرقة طائفة؛ فلزم كون الطائفة إما اثنين أو واحداً؛ فبطل كون الطائفة جماعة يحصلُ العلم بخبرهم، فإن قيل : إنَّه تعالى أوجب العمل بقول أولئك الطوائف، فلعلهم بلغُوا في الكثرة إلى حيث يحصلُ العلم بخبرهم.
فالجوابُ : أنه تعالى أوجب على كُلِّ طائفة أن يرجعوا إلى قومهم، فاقتضى رجوع كل طائفة إلى قوم خاص، ثم إنَّه تعالى أوجب العمل بقول تلك الطائفة، وهو المطلوب.
وأمَّا قوله :« وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ » يصحُّ وإن لم يجب القبولُ؛ فالجوابُ : أنَّا لا نتمسَّكُ في وجوب العمل بخبر الواحد بقوله :« وليُنذِرُوا » بل بقوله :« لعَلَّهُم يَحْذرُون » فإنَّه ترغيبٌ منه تعالى في الحذرِ، بناءً على أن ذلك الإنذار يقتضي إيجاب العمل على وفق ذلك الإنذار.