قوله :﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ ﴾ الهمزة للإنكار، و « أَنْ أَوْحَيْنَآ » « أن » والفعل في تقدير المصدر وهو اسم « كان »، و « عَجَباً » خبرها، و « للنَّاس » متعلِّق بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من « عَجَباً » لأنه في الأصل صفة له، أو متعلِّقٌ ب « عَجَباً »، ولا يضُرُّ كونه مصدراً؛ لأنَّه يُتَّسع في الظرف وعديله ما لا يُتَّسع في غيرهما. وقيل : لأنَّ « عَجَباً » مصدرٌ واقعٌ موقع اسم الفاعل أو اسم المفعول، ومتى كان كذلك جاز تقديمُ معموله. وقيل : هو متعلِّق ب « كَانَ » النَّاقصة، وهذا على رأي مَنْ يُجيز فيها ذلك. وهذا مرتَّبٌ على الخلاف في دلالة « كان » النَّاقصة على الحدث، فإن قلنا : إنَّها تدلُّ على ذلك فيجُوزُ وإلاَّ فلا. وقيل : هو متعلِّقٌ بمحذوفٍ على التَّبيين، والتقدير في الآية : أكان إيحاؤنا إلى رجُلٍ منهم عجباً لهم. و « منهم » صفة ل « رجُل ».
وقرأ رُؤبة « رَجْل » بسكون الجيم، وهي لغة تميم، يُسَكِّنُون « فَعُلاً » نحو : سبع وعضد.
وقرأ عبدالله بن مسعود « عَجَبٌ ». وفيه تخريجان، أظهرهما : أنَّها التَّامة، أي : أحدث للنَّاس عجب و « أنْ أوْحَيْنَا » متعلِّق ب « عجب » على حذف لامِ العلَّة، أي : عجبٌ ل « أنْ أوْحَيْنَا »، أو يكون على حذف « مِنْ »، أي : مِنْ أنْ أوحينا. والثاني : أن تكون الناقصة، ويكون قد جعل اسمها النَّكرة وخبرها المعرفة، على حدِّ قوله :[ الوافر ]

٢٨٦٤-...................... يكُونُ مزاجها علسلٌ ومَاءُ
وقال الزمخشري : والأجودُ أن تكون التَّامة، و « أنْ أوحَيْنَا » : بدلٌ من « عَجَبٌ ». يعني به بدل اشتمال أو كل من كل، لأنه جعل هذا نفس العجب مبالغة، والتخريج الثاني لابن عطيَّة.

فصل


التعجُّب : حالة تعتري الإنسان من رؤية شيء على خلاف العادة، وسبب نزول هذه الآية : أنَّ الله - تعالى - لمَّا بعث محمَّداً ﷺ رسولاً، تعجَّب كفار قريش وقالوا : إنَّ الله أعظم من أن يكون رسُوله بشراً، فأنكر الله عليهم ذلك التعجُّب، أما بيان تعجُّبهم من تخصيص محمَّدٍ بالرسالة فمن وجوه :
الأول : قوله تعالى :﴿ وعجبوا أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ ﴾ [ ص : ٤ ] إلى قوله :﴿ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ ص : ٥ ].
والثاني : أن أهل مكَّة كانوا يقولون : إنَّ الله تعالى ما وجد رسُولاً إلى خلقه إلا يتيم أبي طالب.
والثالث : أنهم قالوا :﴿ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ ﴾ [ الزخرف : ٣١ ] ؛ فأنرك الله عليهم هذا التعجُّب بقوله ﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ ﴾ فلفظه استفهام؛ ومعناه الإنكار لأنْ يكون ذلك عجباً، والمراد ب « النَّاس » : أهل مكة، والألف فيه للتوبيخ.


الصفحة التالية
Icon