وقال أبو بكر بن مُجاهد - وهو ممَّنْ قرأ على قنبل - :« قرأ ابن كثير وحده » ضِئَاء « بهمزتين في كل القرآن الهمزة الأولى قبل الألف، والثانية بعدها، كذلك قرأتُ على قنبل وهو غلط، وكان أصحاب البزّي، وابن فليح يُنكرُونَ هذا ويقْرؤُون » ضِيَاء « مثل الناس ».
قال شهابُ الدِّين :« كثيراً ما يَتَجَرَّأ أبو بكر على شيخه ويُغَلِّطه، وسيمرُّ بكَ مواضع من ذلك، وهذا لا ينبغي أن يكون، فإنَّ قُنْبُلاً بالمكان الذي يمنع أن يتكلَّم فيه أحد ».
وقوله في جانب الشمس :« ضِيَاءً » ؛ لأنَّ الضوءَ أقوى من النُّور، وقد تقدم ذلك أوَّل البقرة و « ضِيَاء ونُوراً » يحتمل أن يكونا مصدرين، وجُعِلا نفسَ الكوكبين مبالغة، كما يقال للكريم : إنه كرم وجود، أو على حذف مضافٍ أي : ذاتِ ضياء وذا نُورٍ، و « ضِيَاء » يحتمل أن يكون جمع « ضَوْء » كسَوْط وسِيَاط، وحَوْض وحِيَاض.
قوله :« مَنَازِلَ » نُصب على ظرف المكان، وجعله الزمخشريُّ على حذفِ مضافٍ : إمَّا من الأول أي : قدَّر مسيره، وإمَّا من الثاني أي : قدَّرهُ ذا منازل، فعلى التقدير الأول يكون « مَنازِلَ » ظرفاً كما مَرّ، وعلى الثاني يكون مفعولاً ثانياً على تضمين « قدَّرَ » معنى صيَّره ذا منازل بالتقدير، وقال أبو حيَّان - بعد أن ذكر التقديرين، ولم يعزُهما للزمخشري : أو قَدَّر له منازل، فحذف وأوصل الفعل إليه، فانتصب بحسب هذه التَّقادير على الظَّرف أو الحال أو المفعول، كقوله :﴿ والقمر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ﴾ [ يس : ٣٩ ] وقد سبقهُ إلى ذلك أبُو البقاء.
والضمير في « قدَّرهُ » يعود على القمر وحده، لأنَّه هو عُمدةُ العرب في تواريحهم.
وقال ابنُ عطيَّة :« ويحتمل أن يريدهما معاً بحسبِ أنهم يتصرَّفان في معرفة عدد السِّنين والحساب لكنَّه اجتزىء بذكر أحدهما، كقوله تعالى ﴿ والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾ [ التوبة : ٦٢ ] ؛ وكما قال الشاعر :[ الطويل ]

٢٨٧٧- رَمَانِي بأمْرٍ كُنْتُ مِنْهث ووَالدِي بَرِيئاً ومنْ أجْلِ الطَّوِيِّ رمَانِي
قوله :» لِتَعْلَمُواْ « : متعلِّق ب » قدَّرَهُ «، وسُئل أبو عمرو عن الحساب : أتَنْصبُه أم تَجُرُّه؟ فقال : ومن يدري ما عدد الحساب؟ يعني أنه سئل : هل تعطفه على » عَدَدَ « فتنصبه أم على » السِّنين « فتجرَّه؟ فكأنَّه قال : لا يمكن جرُّه، إذ يقتضي ذلك أن يعلم عدد الحسابِ ولا يقدر أحدٌ أن يعلم عدده.

فصل


معنى الآية :﴿ هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً ﴾ بالنهار، ﴿ والقمر نُوراً ﴾ بالليل. وقيل : جعل الشمس ذات ضياء، والقمر ذا نُورٍ، ﴿ وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ ﴾ أي : قدَّر له، يعنى : هَيَّأ له منازل لا يجاوزها ولا يقصُر دونها، ولم يقل قدرهما.


الصفحة التالية
Icon