﴿ لِيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات بالقسط ﴾ [ يونس : ٤ ]، فإذا دخل أهلُ الجنَّة الجنَّة، ووجدوا تلك النعم العظيمة، عرفوا أن الله - تعالى - كان صادقاً في وعده إياهم بتلك النعم، فعند هذا قالوا :« سُبْحَانَكَ اللهم » أي : سبحانك من الخلف في الوعد، والكذب في القول.
قوله :« وَتَحِيَّتُهُمْ » مبتدأ، و « سَلاَمٌ » خبره، وهو كالذي قبله، والمصدر هنا يحتمل أن يكون مضافاً لفاعله، أي : تحيَّتهم التي يُحيُّون بها بعضهم سلامٌ.
ويحتمل أن يكون مضافاً لمفعوله، أي : تحيَّتهُم التي تُحَيِّيهم بها الملائكةُ سلامٌ؛ ويدلُّ له قوله :﴿ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم ﴾ [ الرعد : ٢٣، ٢٤ ]، و « فيهَا » في الموضعين متعلقٌ بالمصدر قبله. وقيل : يجوز أن يكون حالاً ممَّا بعده، فيتعلَّق بمحذوفٍ، وليس بذاك، وقال بعضهم : يُحَيِّي بعضهم بعضاً، ويكون كقوله - تعالى - :﴿ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ﴾ [ الأنبياء : ٧٨ ]، حيث أضافهُ ل « داود وسليمان »، وهما الحاكما، وإلى المحكوم عليه، وهذا مبنيٌّ على مسألة أخرى، وهي أنَّه : هل يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز أم لا؟.
فإن قلنا : نعم، جاز ذلك، لأنَّ إضافة المصدر لفاعله حقيقةٌ، ولمفعوله مجاز، ومنْ منعَ ذلك، أجاب : بأنَّ أقلَّ الجمع اثنان، فلذلك قال :« لِحُكْمِهِمْ ».
قوله :« وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ » مبتدأ، و « أنْ » : هي المخففة من الثَّقيلة، واسمها ضمير الأمر والشَّأن حذف، والجملةُ الاسمية بعدها في محلِّ الرفع خبراً لها؛ كقول الشَّاعر :[ البسيط ]
٢٨٧٩- فِي فِتْيَةٍ كسُيُوفِ الهِنْدِ قَدْ علمُوا | أنْ هالكٌ كُلٌّ منْ يَحْفَى وينْتَعِلُ |
وتخفيفُ « أنْ »، ورفع « الحَمْدُ » هي قراءةُ العامة، وقرأ عكرمة، وأبو مجلز، وأبو حيوة، وقتادة، ومجاهد، وابن يعمر، وبلال بن أبي بردة، وابن محيصن ويعقوب بتشديدها، ونصب « الحَمْد » على أنَّهُ اسمها؛ وهذه تُؤيِّدُ أنَّها المخففةُ في قراءة العامَّة، وتردُّ على الجُرجاني، ومعنى الآية : أنَّ أهل الجنَّة يفتتحُون كلامهم بالتَّسبيحِ، ويختمُونَهُ بالتَّحْميدِ.