قال شهابُ الدِّين :« قوله : ويَلْزَمُ.. إلى آخره »، لا رَدَّ فيه على هذا القائل، إذ يلتزمه، وهو التزامٌ صحيحٌ سائغٌ؛ إذ لا يُنكِرُ أحَدٌ « زيدٌ الأسد »، على معنى : كالأسَد، وعلى تقدير التَّسليم، فالفرقُ ما ذكره أبو البقاء، أي : إنَّ الفعل يطلب مصدراً مُشَبَّهاً، فصار مدلُولاً عليه.
وقال بعضهم : تقديره : في استعجالهم؛ نقله مكِّي، فلمَّا حذفت « في » انتصبَ، وهذا لا معنى له، وقال البغوي : المعنى « ولو يُعَجِّل الله إجابة دعائهم في الشرِّ والمكروه استعجالهم بالخير، أي : كما يحبُّون استعجالهم بالخير ».
وقال القرطبي : قال العلماء : التَّعجيلُ من الله، والاستعجال من العبدِ، وقال أبو عليّ : هُمَا من الله.
فصل
في كيفية النَّظم وجوه :
أحدها : قال ابن الخطيب :« إنَّه ابتدَأ السورة بذكر شُبُهَاتِ المنكرينَ للنُّبوَّة مع الجواب عنها :
فالشبهة الأولى : أنَّ القوم تعجَّبُوا من تخصيص الله محمداً بالنُّبوة، فأزال الله ذلك التعجُّب بقوله :﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ ﴾ [ يونس : ٢ ]، ثم ذكر دلائل التَّوحيد، ودلائل صحَّة المعاد.
وحاصل الجواب أن يقول : إنِّي ما جئتُكُم إلاَّ بالتوحيد، والإقرار بالمعاد، وقد دَلَّلنا على صحتهما، فلمْ يَبْقَ للتعجُّب من نبوَّتِي معنى.
والشبهة الثانية : أنَّهم كانوا يقولون : اللَّهُمَّ إن كان ما يقول محمدٌ حقاً في ادِّعاء النُّبوَّة والرٍِّسالة، فأمطر علينا حجارة من السَّماء، أو ائتِنَا بعذابٍ أليمٍ، فأجاب الله - تعالى - عن هذه الشبهة بهذه الآية.
وثانيها : قال القاضي :» لمَّا بيَّن الله - تعالى - الوعْد والوعِيدَ، أتبعهُ بما يدلُّ على أن من حقِّهما، أن يتأخَّرا عن ههذ الحياة الدُّنيويَّة؛ لأنَّ حصولهما في الدُّنيا، كالمانع من بقاءِ التَّكليف.
وثالثها : قال القفال : إنَّه لمَّا وصف الكفار بأنهم لا يرجون لقاء الله، ورضوا بالحياةِ الدُّنيا، واطمأنوا بها، وكانُوا عن آيات الله غافلين، بيَّن أنَّ من غفلتهم، أنَّ الرسول - ﷺ - متى أنذرهم استعجلوا العذاب جهلاً منهم وسفهاً.
فصل
أخبر - تعالى - في آيات كثيرة : أنَّ هؤلاء المشركين متى خُوفوا بنزول العذاب في الدُّنيا، استعجلوا ذلك العذاب، كقولهم :﴿ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ]، وقوله تعالى :﴿ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾ [ المعارج : ١ ] الآية، ثم إنهم لما توعدوا بعذاب الآخرة في هذه الآية، بقوله ﴿ أولئك مَأْوَاهُمُ النار بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ [ يونس : ٨ ]، استعجلوا ذلك العذاب، وقالوا متى يحصل ذلك؟ كما قال - تعالى - :﴿ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا ﴾