فصل
معنى الآية : واسْأل مُحَمَّد هؤلاء اليهود الذين هم جيرانك سؤال توبيخ عن القرية التي كانت حاضرة البحر أي : بقرية، والحضور نقيض الغيبة كقوله تعالى :﴿ ذلك لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسجد الحرام ﴾ [ البقرة : ١٩٦ ].
قال ابنُ عباس، وأكثر المفسرين : هي قرية يقال لها : أيْلَة بين مَدْيَن والطُّورِ على شاطىء البحر.
وقيل : مدين.
وقال الزُّهري : هي طبرية الشَّامِ، والعرب تسمِّ ] المدينة قرية وعن أبي عمرو بن العلاء مَا رَأيْتُ قرويين أفصَحَ من الحسين والحجَّاج يعني رجلين من أهل المدنِ، و « يَعْدُون في السَّبتِ » يتجاوزون حد اللَّه فيه، وهو اصطيادهم في يوم السَّبت وقد نُهُوا عنه، والسَّبْتُ : مصدر سَبَتَ اليهود إذَا عظَّمت سُنَّتَهَا، إذا تركوا العمل في سبتهم، وسُبِتَ الرجل سُباتاً إذا أخذه ذلك، وهو مثل الخرس، وأسبت سكن فلم يتحرك والقوم صاروا في السَّبت، واليهود دخلوا في السبت، وهو اليوم المعروفُ، وهو من الرَّاحةِ والقطع، ويجمع على أسْبُت وسُبُوت وأسبات، وفي الخبر عن رسُولِ الله ﷺ « من احْتَجَمَ يوْمَ السَّبْتِ فأصَابَهُ مرضٌ لا يلُومنَّ إلاَّ نَفْسَهُ »
قال القرطبي : قال علماؤنا : لأنَّ الدَّمَ يجمد يوم السبت، فإذا مددته لتستخرجه لم يَجْرِ وعَادَ بَرَصاً.
قوله :« إذْ تَأتيهم » العامل فيه « تَعْجون » أي : إذَا عَدَوا إذ أتَتْهُمْ؛ لأنَّ الظَّرْفَ الماضي يَصْرِفُ المضارع إلى المضيِّ.
وقال الزمخشريُّ : و « إذ تأتيهم » بدلٌ من « إذ يَعْدُونَ » بدل بعد بدل، يعني : أنه بدلٌ ثانٍ من القريةِ على ما تقدَّم عنه، وقد تقدَّم ردُّ أبي حيان عليه فيعود هنا.
و « حِيتَان » جمع « حُوت »، وإنَّما أبدلَت الواوُ يَاءً، لسكونها وانكِسَارِ ما قبلها، ومثلُهُ نُون ونِينَان والنُّونُ : الحُوتُ.
قوله « شُرَّعاً » حالٌ من « حِيتَانُهُمْ » وشُرَّعٌ : جمعُ شارع.
وقرأ عمر بن عبد العزيز :« يَوْمَ إسباتهم » وهو مصدر « أسبت » إذا دخل في السَّبْت.
وقرأ عاصم بخلاف عنه وعيسى بن عمر « لا يَسْبُتُونَ ».
وقرأ عليٌّ والحسنُ وعاصمٌ بخلاف عنه « لا يُسْبِتُونَ » بضم الياء وكسر الباء، من أسْبَت، أي : دخل في السبت.
وقُرىء :« يُسْبَتُونَ » بضمِّ الياء وفتح الباء مبنياً للمفعول، نقلها الزمخشريُّ عن الحسن.
قال : أي لا يُدَار عليهم السبت ولا يؤمَرُونَ بن يَسْبِتُوا، والعاملُ في :« ﴿ وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ ﴾ قوله :» لا تَأتيهمْ « أي : لا تأتيهم يوم لا يَسْبِتُونَ، وهذا يَدُلُّ على جواز تقديم معمول المنفي ب » لا « عليها وقد تقدم فيه ثلاث مذاهب : الجواز مطلقاً كهذه الآية، والمنع مطلقاً، والتفصيل بين أن يكون جواب قسم فيمتنع أوْ لا فيجوز.