﴿ ياأيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ﴾ [ الإنشقاق : ٦، ٧ ] لا شبهة في أنَّ المؤمنَ داخلٌ، وكذا قوله :﴿ هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مِّنَ الدهر ﴾ [ الإنسان : ١ ]، وقوله :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ﴾ [ المؤمنون : ١٢ ]، ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ﴾ [ ق : ١٩ ]، والحقُّ : أنَّ اللفظ المفرد، المحلَّى بالألف واللام، إن حصل معهودٌ سابقٌ، صرف إليه، وإن لم يحصل معهودٌ سابقٌ، حمل على الاستغراق صوناً له عن الإجمال والتَّعطيل، وقال صاحبُ النَّظْم : قوله ﴿ وَإِذَا مَسَّ الإنسان ﴾ وضعهُ للمستقبل، وقوله :﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا ﴾ للماضي، فهذا النَّظْمُ يدلُّ على أنَّ معنى الآية يدل : على أنَّهُ كان هكذا فيما مضى، وهكذا يكون في المستقبل، فدل ما في الآية من الفعل المستقبل على ما فيه من المعنى المستقبل، وما فيه من الماضي، على الماضي «.
قوله :﴿ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ ﴾ قد تقدَّم الكلامُ على مثل هذا، عند قوله :﴿ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ ﴾ [ النساء : ٧٣ ]، تقديره : كأنَّه لم يدعنا، ثم أسقط الضمير تخفيفاً، كقوله تعالى ﴿ كَأَن لَّمْ يلبثوا ﴾ [ يونس : ٤٥ ] قال الزمخشري :»
فحذف ضمير الشَّأن؛ كقوله :[ الهزج ]

٢٨٨٠-........................... كأنْ ثَدْيَاهُ حُقَّانِ «
يعني : على رواية من رواه » ثَدْيَاهُ « بالألف، ويروى :» كأن ثَدْيَيه « بالياء، على أنها أعملت في الظَّاهر، وهو شاذٌّ، وهذا البيت صدره :[ الهزج ]
٢٨٨١- وَوجهٍ مُشْرقِ النَّحْرِ كَأنْ ثدْيَاهُ حقَّانِ
وهذه الجملةُ التَّشبيهيَّةُ : في محلِّ نصبٍ على الحال من فاعل »
مرَّ «، أي : مضى على طريقته، مشبهاً من لم يدعُ إلى كشف ضُرٍّ، و » مسَّهُ « صفةً ل » ضُرّ «، وقيل :» مَرَّ « عن موقف الابتهال والتضرُّع لا يرجع إليه، ونسي ما كان فيه من الجهدِ والبلاء، كأن لم يدعنا، ولم يطلُب منَّا كشف ضُرِّه.
قوله :﴿ كذلك زُيِّنَ ﴾ الكاف من »
كذلِكَ « في موضع نصب على المصدر، أي : مثل ذلك التَّزيين والإعراض عن الابتهال، وفاعل » زُيِّنَ « المحذوف : إمَّا الله - تعالى -، و إمَّا الشيطان، و ﴿ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ في محل رفع لقيامه مقام الفاعل، و » مَا « يجوز أن تكون مصدريَّة، وأن تكون بمعنى » الذي «.

فصل


قال أبو بكر الأصم : سُمّي الكافرُ مُسْرفاً؛ لأنَّه ضيَّع ماله ونفسه، أمَّا النَّفس، فإنه جعلها عبداً للوثن؛ وأمَّا المالُ؛ فلأنهم كانوا يُضَيِّعُون أموالهم في البحيرة، والسَّائبة، والوصيلة والحامِ.
وقيل : من كانت عادتُه كثرة التضرُّع والدعاء، عند نزول البلاء، وعند زوال البلاء بعرضُ عن ذكرِ الله وعن شكره، يكون مُسْرِفاً في أمر دينه، وقال ابن الخطيب :»
المُسرفُ هو الذي ينفقُ المال الكثير؛ لأجل الغرضِ الخسيس، ومعلومٌ أنَّ لذَّاتِ الدنيا وطيباتها خسيسةٌ جداً، في مقابلة سعادات الآخرة، والله - تعالى - أعطى الحواسَّ، والعقل والفهم، والقدرة، لاكتساب السعادات العظيمة الأخرويَّة، فمن بذل هذه الآلات العظيمة الشريفة؛ ليفوز بالسعادات الخسيسة، كان قد أنفق أشياء عظيمة؛ ليفوز بأشياء حقيرة؛ فوجب أن يكون من المسرفين «.


الصفحة التالية
Icon